Messages les plus consultés

lundi 21 mars 2011

زاوية الهامل الصرح الثقافي والعلمي ومنارة العالم الاسلامي

من
المعالم الحضارية والصروح الثقافية التي تزخر بها بلادنا، والتي يحق لها
أن تفتخر بها وتتباهى: زاوية الهامـل، وهي من المؤسسات العلمية التي أنشئت
في منتصف القرن التاسع عشر، وأدت دورا هاما وأساسيا في المحافظة على أصالة
وقيم هذا الشعب الدينية والروحية والثقافية.

قال
عنها الشيخ الحفناوي صاحب تعريف الخلف: "إن زاوية الهامل لا تطأطئ رأسها
للزيتونة ولا للقرويين". ووصفها الأستاذ أحمد توفيق المدني في كتابه حياة
كفاح بأنها: "معقل العروبة والإسلام"، وقال عنها الأستاذ جاك بيرك: "إن
تاريخ زاوية الهامل يهم تاريخ المغرب بأسره، من حيث المجهود الذي بذلته
بكل عزم في زمن الاستعمار، وذلك باستنهاض القيم الروحية والاجتماعية التي
تقوم مقام ملجأ للناس".

تقع هذه الزاوية العلمية على بعد حوالي 250كم جنوب الجزائر العاصمة، إلى الجنوب الغربي من مدينة بوسعادة المدينة السياحية المعروفة.

أسسها
الشيخ محمد بن أبي القاسم الهاملي، وهو من رجالات التصوف والعلم بالجزائر
في منتصف القرن التاسع عشر، تم تأسيسها في ظروف صعبة، بعد التشديد على
المدارس القرآنية والزوايا والضغط عليها، وذلك بعد مشاركة الزوايا والطرق
الصوفية في معظم الثورات التي قامت ضد المحتل الأجنبي، بل نجد أن معظم
الثورات كان قادتها هم شيوخ زوايا وزعماء طرق صوفية.

أسسها
صاحبها لمجموعة من الأهداف والغايات وهي: التعليم والطريقة والرعاية، ومما
جاء في إحدى وثائقه متحدثا عن نفسه بصيغة الغائب بخط يده ما يلي: "وبأول
سنة 1279هـ رجع لبلاده قرية الهامل، فبنى بها زاوية للطلبة والإخوان
والأرامل والأيتام والزمنى والعميان، فتعلم عنده بالزاوية المذكورة خلق
كثير قراءة القرآن والفقه والنحو وغير ذلك من العلوم العقلية والنقلية
وإعطاء أوراد الطريقة الرحمانية".

فهذه
الفقرة تحدد الغايات التي من أجلها كان التأسيس، وتوضح الأدوار والوظائف
التي قامت بها وهي: خدمة طلبة العلم، وجمع المريدين على صعيد واحد، وكفالة
الأرامل والأيتام. زيادة على تعليم العلم، ونشر الطريقة.

وهي
تابعة للطريقة الرحمانية، ونحن نعلم ما تعنيه الطريقة الرحمانية بالنسبة
للمحتل الفرنسي، فقد تحالفت مع الأمير عبد القادر، وبعد انتهاء المقاومة
قادت بنفسها معظم الثورات التي عرفتها الجزائر، على الأقل في مناطق
وجودها: ثورة الشيخ عبد الحفيظ الخنقي 1849، ثورة بلاد القبائل 1852، ثورة
الشيخ الصادق بن الحاج بالأوراس 1859، ثورة لالا فاطمة نسومر، ثورة الشيخ
ابن الحداد 1871.... وقد شارك أتباعها في كل الثورات التي قادتها الطرق
الأخرى.

ومن
الأسس التي قامت عليها زاوية الهامل ومن المبادئ التي ظل الشيخ المؤسس
متمسكا بها "تمتين روابط الصلة مع المجاهدين في داخل الوطن أمثال الشيخ
الحداد، المقراني، بوعزيز الماضوي، وغيرهم والتشاور معهم عن طريق المراسلة
أو الاتصال المباشر". ويذكر الشيخ خليل القاسمي رحمه الله أن: "مؤسس
الزاوية كان يأخذ أوامره من الأمير عبد القادر من منفاه بدمشق، وأن
العلاقة ظلت قائمة بين الرجلين، وحتى بعد وفاة الأمير استمرت روابط المودة
والإخاء مع أبنائه".

وجاء
في أحد التقارير الأمنية الفرنسية حول شخصية مؤسس الزاوية ما يلي: "...
فبقاؤه بالجزائر يسبب خسارة كبرى للخزينة العامة بسبب الأموال الكبيرة
التي تضعها الأهالي بين يديه، زيادة على أنه مخالف للقوانين المعمول بها،
ثم إنه يساهم في رفع الروح المعنوية للأهالي".

أسهمت
الزاوية في ترسيخ العقيدة الإسلامية الصحيحة في النفوس، وابتعدت عن البدع
والخرافات والتدجيل والشعوذة، وحافظت على عقيدة أهل الناس صافية نقية وذلك
بالتزامها بالتصوف السني على أساس الكتاب والسنة، والذي التزم مؤسسها منهجها في حياته العلمية ويعد الشيخ من أكبر أقطابه في العالم الإسلامي.

كما
أدت الزاوية دورا أساسيا في نشر العلوم الشرعية في القطر، وكانت تعد مركزا
شهيرا للتعليم التقليدي، وكانت خير معهد يقصده الطلاب، إذ نقلت مستوى
التعليم إلى ما كانت عليه الحواضر المعروفة في القطر في القرن التاسع عشر:
الجزائر، قسنطينة، مازونة، وهو أمر يصعب تصوره، نظرا لبعد المسافة
ولانعدام الوسائل والإمكانيات.

عملت على تحفيظ القرآن الكريم ونشره، وتدريس العلوم الشرعية من فقه وحديث وتفسير وأصول....

وتولى
التدريس بها ثلة من العلماء الأفاضل نذكر منهم: الشيخ محمد بن أبي القاسم،
الشيخ محمد بن عبد الرحمن الديسي ، الشيخ عاشور الخنقي، الشيخ محمد المكي
بنعزوز، الشيخ أحمد الأمين، الشيخ محمد بن الحاج محمد...وغيرهم كثير.

وتخرجت
منها أعداد هائلة من حفظة القرآن من معظم نواحي القطر الجزائري، وفي تقرير
للسلطات الفرنسية سنة 1885 نجد: "أن عدد الطلبة سنويا يتراوح بين 200 و
300، وكان يدرسهم حوالي 19 أستاذا"، ويذكر دي قالون أن عدد الطلبة في عهد
المؤسس كان يتجاوز 400.

من
أشهر خريجيها: محمد بن عبد الرحمن الديسي (ت 1921)، محمد بن الحاج محمد
القاسمي (ت 1913)، حمدان الونيسي(ت 1920م)، علي بن إبراهيم العقبي (ت
1921م)، أبو القاسم الحفناوي (ت 1942)، حميدة بن الطيب الجزائرلي....

دخلت
معترك الصراع الحضاري والثقافي مع المحتل الأجنبي، بترسيخ القيم الحضارية
والأبعاد الروحية والدينية للشعب الجزائري، وسعت إلى تكوين أجيال متشبعة
بالأخلاق الإسلامية ومتمسكة بالآداب والفضائل السامية، وفتحت أبوابها على
مصراعيها أمام طلبة العلم والمعرفة، لينهلوا ما شاء لهم من علوم ومعارف
إسلامية، وركزت أساسا على اللغة العربية لما تحمله من مضامين وأدوات وقيم.

وواجهت
بذلك مشروع المحتل الفرنسي، الداعي إلى القضاء على حضارة وثقافة الشعب
المغلوب على أمره. ونجحت في تلك المواجهة، إذ استطاعت الزاوية وفي ظرف
قصير من الحفاظ على القرآن الكريم في صدور الرجال، والعمل بأحكامه،
والالتزام بآدابه، واستطاعت الإبقاء على اللغة العربية النقية حية في
الألسنة والدور والمساجد، فحيثما تنقلت في المناطق التي بلغها إشعاعها
وجدت عددا كبيرا من الشيوخ والأساتذة يدرسون ألفية ابن مالك، وقطر الصدى
وكتاب سيبويه.

تعرضت
الزاوية للمضايقة والحصار من طرف الإدارة الاستعمارية، وازدادت الأمور
تعقيدا خصوصا بعد مجيء الحكومة الماسونية 1871 قيام الجمهورية الثالثة،
والتي ضيقت الخناق على الزوايا والمدارس الحرة وفرضت القوانين والأحكام
الجائرة لمراقبتها والحد من نشاطها: "توضع المدارس الخاصة الإسلامية-
مدرسة قرآنية، مسيد، زاوية، مدرسة تحت مراقبة وتفتيش السلطات المحددة
بواسطة قانون 30 أكتوبر 1886. مراقبتها إذا كانت محرضة أم لا ضد الدستور".
وهو القانون الذي سمح بالمراقبة الدائمة والمستمرة لما يجري داخل الزوايا.

وكانت
زاوية الهامل في هذه الفترة تتمتع بنوع من الحرية المراقبة، وكان عليها أن
تعي هذه الحقيقة جيدا وتتعامل مع هذا المعطي بذكاء كي لا تتعرض للإغلاق
وتستمر في أداء رسالتها التعليمية الإصلاحية.

ولعل
أحسن وأدق عبارة تلخص لنا الصراع المرير الذي كان دائرا بين الزوايا
والمحتل الأجنبي بالجزائري، هي عبارة الأستاذة "ايفون توران": "وحاولت
فرنسا إنشاء مدارس عربية فرنسية ثم المكاتب الإسلامية ثم مدارس عربية
بحتة، ولم يلتحق الجزائريون إطلاقا بأي من هذه المدارس، بل لقد هدمت في
أوقات الانتفاضات ومنها انتفاضة 1871، في برج بوعريريج ومازونة وبجاية،
لأنها (مدارس النصارى) وقامت حرب المدارس، وقد اشتكى ضابط من مستغانم من
مقاطعة المدارس وتأثير الزوايا في الشباب وفقدت المكاتب العربية قوتها
وخسرت المعركة".
خلاصة
القول أن الزاوية الهاملية ساهمت في الحفاظ على مقومات هذه الأمة، وتكفلت
بالمهام النبيلة التي قامت بها مختلف الزوايا في القطر الجزائري، خصوصا في
فترة الاحتلال أين ازدادت حاجة المواطنين إلى مثل هذه المؤسسات العلمية
الخيرية. وعرفت شهرة كبيرة في حياة مؤسسها واستمر تأثيرها في الأوساط بعد
وفاته بفضل تعاون وتكاتف أبناء الأسرة القاسمية وحفاظهم على المبادئ التي
عمل من أجلها المؤسس وهي: العمل والعلم والإخلاص والابتعاد عن كل ما يمس
بسمعة الزاوية أو يشوه صورتها، لدى الشعب الجزائري.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire