تبهاعبد المنعم ، في 24 يناير 2011 الساعة: 22:25 م
رحلتي إلى توات
قرأت كثيرا عن منطقة توات، بحكم الاهتمام بموضوع الزوايا، منها ما كتبه الأستاذ فرج محمود، إقليم توات، والكتاب القيم الذي صدر مؤخرا بترجمة عربية لصديقنا الأستاذ رشيد بليل، عن قصور قورارة، وكتاب تراث توات للدكتور جعفري…
وكنت قد زرتها فيما سبق، وتعرفت على بعض جوانب الحياة فيها، لكن زياراتي إليها كانت إما للسياحة أو العمل أو صلة الرحم، فلم أكن ألق بالا لهذا الجانب، إلا ما أتى عرضا في مجلس سمر يجمعنا على كأس شاي في واحة من الواحات الجميلة أو بمنزل صديق من الأصدقاء في قصر من القصور التواتية العتيقة.
لكن هذه الرحلة كما أراد لها القدر أن تكون، وكما شاء لها الخالق المتصرف أن تأخذ منحى آخر، هي زيارة علمية، تدخل ضمن إعداد موسوعة الزوايا في الجزائر، إحصائها وجردها، معرفة أهم التفاصيل المتعلقة بها، الغوص في تاريخها، في مواقفها أدوراها، دراستها دراسة علمية ميدانية، وهو موضوع لم يسبق إليه في حدود معرفتي واطلاعي.
وهي مهمة نبيلة جليلة، تهدف إلى خدمة التراث والثقافة، وتسعى لإبراز جوانب مهمة في تاريخنا العلمي والديني والروحي وحتى السياسي، ظلت خفية تحيط بها علامات استفهام كثيرة. وطالما حدثتني نفسي بالقيام بها، ولطالما أملى علي الواجب الديني والفكري والعلمي القيام بها، لكن كنت في كل مرة أبحث عن الأعذار والتسويفات، وأمني النفس وأعللها بكيت وكيت…
والحقيقة أنني أمام الأعمال الموكلة إلي والالتزامات الكثيرة الأخرى، لم أكن أجد الوقت الكافي للقيام بمثل هذا المشروع، لكن عزمت هذه المرة على التفرغ كلية لإعداد هذا العمل، وتوفير كافة الظروف والعوامل لإنجاحه.
فقررت الشروع في إعداد الموسوعة بعد انتظار طويل للجهات المعنية، التي قدمنا لها المشروع وطلبنا منها تمويله، وظلت تقدم لنا الوعود تلو الوعود، لكن ككل المشاريع الجادة والمفيدة في بلدنا لا تلقى إلا الصد والهجران. فتوكلت على الله وشمرت على ساعد الجد، واعتمدت على النفس في إنجاز هذا العمل الذي نحسب أنه يدخل في باب إحقاق الحق، وإعطاء كل ذي حق حقه، التعرف على تاريخنا الثقافي والروحي والديني، بأقلامنا نحن، وبجهودنا الخاصة والنزول إلى الميدان، لا البقاء وراء المكاتب والجدران، والبحث عن الحقائق والمعلومات من أفواه الرجال وصدور الأحرار، التنقيب عن تاريخنا عن ماضينا عن أصالتنا بأبحاثنا الخاصة، في عمق الجزائر، في أبسط التفاصيل، وأدق الجزئيات، وتركيب الصورة النهائية والكلية، إذ معرفة تاريخ الشعوب من أصعب الدراسات المهمات، ومن أخطر المهمات، لما يكتنفها من صعوبة وإبحار في الماضي السحيق لاستخراج الكنوز والدرر، ونفض الغبار عن الحقائق والمعطيات، وإعادة الحياة إلى المواقف الجليلة واللحظات الحاسمة والمحطات التاريخية التي كان لها الفضل في صهر هذا المجتمع، وإعطائه شخصيته الحقيقية وصورته النهائية.
ولعل المرء يصاب بالذهول عند معرفته أن أول من أعد دراسة أكاديمية عن تاريخ منطقة توات هو باحث مصري الدكتور فرج محمود، ومن نزل إلى أرض الميدان هو باحث ياباني كتب عن منطقة أولف. ولم نكلف أنفسنا عناء معرفة الحقيقة من مصادرها الأولى وينابيعها الرئيسة، ولم نبذل جهدا حقيقيا في التعريف بماضينا المشرق والعناية بتراثنا، بل أكاد أقول أنا لم نقم له وزنا. يستثنى من هذا الجهود التي قام بها مولود معمري ورشيد بليل والدكتور الصديق الحاج أحمد.
وشجعني على القيام بهذه المهمة النبيلة صهري الطبيب المثقف المهتم بتاريخ المنطقة الدكتور بهاء الدين عبد القادر، الذي يقيم بمدينة تيميمون منذ أكثر من ربع قرن، وهو من أصل سوري، جاء للعمل بمستشفى المدينة، لكنه أعجب ببساطة الحياة وطيبة السكان، فلم يشأ مغادرة المدينة بالرغم من العروض الكثيرة والمغرية التي قدمت له في أماكن أخرى، وهي علاقة حميمية بين المكان والإنسان، تعيد إلى الأذهان قصص استقرار الأولياء والصالحين من قبل في مثل هذه المناطق النائية البعيدة، وكيفية تعميرها وتمسك الإنسان بها.
وأقام الدكتور بهاء الدين علاقات جيدة مع كثير من شيوخ المنطقة وعلمائها وأعلامها، بحكم اهتمامه المتزايد بتاريخ المنطقة فكان دائم السؤال عن بعض المعلومات التي تشغل ذهن المثقف، وبعض التساؤلات التي قد لا يجد لها أجوبة في المصادر المكتوبة. وبحكم عمله طبيب عيون بالمستشفى المركزي.
وكنت فيما سبق قد أعلمته بعزمي على القيام بهذا المشروع، وأخبرته بموعد حضوري، عطلة الشتاء منتصف شهر ديسمبر 2010. واتفقت معه على الانطلاق من مدينة تيميمون، فقام جزاه الله خيرا بالاتصال بمجموعة من المهتمين بتاريخ المنطقة الثقافي والروحي، ووضعهم في الصورة، وحضر الأرضية، فلدى وصولي إلى تيميمون، كانت هذه الطبقة على علم بالمشروع، وتعاونت معنا بإيجابية مدهشة وسريعة، مما سهل علينا عناء البحث عن مصادر المعلومات، منهم: الشيخ محمد مامو، أحد أعيان مدينة تيميمون، والشيخ الحاج محمد الدباغ، شيخ زاوية الدباغ بتنركوك والشيخ محمد بكاري، شيخ مدرسة بني مهلال…. وغيرهم من أفاضل أهل المنطقة.
السبت 18 ديسمبر 2010.
انطلاق من مدينة ورقلة السابعة صباحا، وصول إلى تيميمون الرابعة مساء، سفر متعب وشاق نوعا ما.
وبعد حوالي خمس ساعات من السير، وقطع مسافة 450كم من ورقلة، لم يقطعها إلا توقف قصير بإحدى مقاهي مدينة غرداية لتناول فنجان قهوة، توقفت بمدينة المنيعة تلك المدينة التاريخية، التي يعود تأسيسها إلى القرن السادس الهجري، لزيارة متحف البلدية الذي يضم مجموعة هامة من الصناعات الحجرية جمعت من محطات ما قبل التاريخ بالمنطقة. بحثت عن مكان المتحف، وكلي تطلع لما سأقف عليه من تاريخ المنطقة، لكن عند وصولي أخبرت أن المتحف لا يفتح أبوابه اليوم باعتبار أننا في نهاية الأسبوع، كما لم استطع زيارة قبر الأب دي فوكو للتعب الشديد الذي أصابني وللمسافة الطويلة التي لا تزال أمامي.
ألقيت نظرة على شوارع المدينة، التي كانت آخر زيارة لي إليها عام 2004، فعهدتها لا تزال تحتفظ بهدوئها المتميز، وجمال مناظرها، إلا من منازل حديثة أنشئت مؤخرا، وبعض التغييرات في سوق المدينة.
ألقيت نظرة من بعيد على قصر المنيعة القديم الذي كانت تسكنه قبيلة مطغرة الزناتية، والذي يقع على قمة ربوة قريبا من المدينة الحديثة، ويوحى مظهره الخارجي بالقوة والمنعة، ومنها يبدو أنها أخذت اسمها الحالي، المنيعة، وكانت تسمى قديما القليعة، وفي القرن الحادي عشر الهجري اتخذت هذا الاسم.
واصلت بعدها السير إلى تيميمون، والمسافة بين المنيعة وتيميمون حوالي 360كم. وهي منطقة جرداء خالية، تجاوزت شاحنة نقل كبيرة واحدة، وبعدها لم أصادف أية عربة أو سيارة، لمدة تزيد عن ثلاث ساعات، ولم يقطع هذا الصمت الرهيب إلا أصوات سيارات القادمة من الاتجاه المعاكس، والتي كانت بالمقارنة مع السيارات المتجهة إلى الجنوب كثيرة.
توقفت بقرية المقيدن، وهي منطلق القبائل التي انتشرت فيما بعد في قورارة وتوات، على ما يذكره الباحثون، فقد كان وادي مقيدن محل وصول عدد من القبائل الذين جاؤوا من كل الجهات، منهم العرب ومنهم الزناتيون، والذين انقسموا إلى قسمين على حسب أصلهم: عرب وزناتة.
إلا أنها تعرف في الوقت الحالي أنها منطقة مرور لمختلف أنواع التهريب، اضافة الى طابعها الاستراتيجي وهي قرية تبعد حوالي 150كم عن مدينة تيميمون، وهناك أديت صلاة الظهر والعصر قصرا وجمعا، وقابلني مطعم متواضع، دلفت إليه، وطلبت قائمة الوجبات المتوفرة، أخبرني النادل بوجود الكسكسي، الذي أعد بالمنزل، طلبت منه صحن كسكسي، وكان جيد الصنع متقنه.
ولما وصلت إلى حاجز للدرك الوطني طلب مني الدركي وبكل لطف ولباقة، وإن لن يسبب لي ازعاج ايصال أحد ضيوف القرية إلى مدينة تيميمون، الأستاذ عمر، وهو موظف بمقر ولاية أدرار، وافقت على الفور، إذ شعرت بنوع من النعاس، وإذا واصلت الطريق منفردا، قد يتسبب ذلك فيما لا يحمد عقباه، وقد يكون الرفيق خفيف الظل مفيدا فيما أبحث عنه من معلومات وحقائق تتعلق بالمنطقة.
وفعلا، نقل لي رفيقي في هذا الطريق الطويل الذي تشعر كأن لا نهاية له، النظرة الشعبية العفوية لأهل المنطقة للأولياء والصالحين، معتقدات الطبقات الشعبية، تقديسهم للأولياء…حدثني خصوصا عن مواقف الشيخ محمد بن عبد الكريم المغيلي، انطلاقا من الموروث الشفوي بالمنطقة، قتله لليهودي الذي صلى بالناس أربعين سنة ودون وضوء، والمكان الذي قتل فيه المغيلي اليهودي، جنوبي مدينة أدرار، ولا يزال يحظى بتقديس العامة.
الأولياء والصالحون المعترف بهم في مناطق توات: الشيخ عبد الكريم المغيلي، الشيخ الحاج بلقاسم، سيدي موسى أولمسعود….
كما لم ينسى محدثي التذكير بالمدارس القرآنية الحديثة، ومكانة الشيخ سيدي محمد بلكبير، والشيخ أحمد ديدي.
لم أشعر بمرور الوقت ولا بطول الطريق، شعرت أنني بدأت جديا في البحث الميداني، وها قد أرسل لي القدر أحد أبناء المنطقة، ليدلني على أدق تفاصيل الحياة الروحية في منطقة توات والقورارة.
وصلنا مدينة تيميمون الثالثة والنصف. وكانت السيارة قد استهلكت كل الوقود الذي زودتها به من غاز وبنزين.
مما اضطرني إلى التوقف بإحدى محطات البنزين للتزود بالوقود. ونظرا لنقص هذه المادة بالمدينة، فطابور الانتظار طويل، ولما أظهرت استغرابي هون علي مرافقي الأمر، وألح علي في ضرورة ملء البنزين الآن فهذا الطابور لا يمثل شيئا مقارنة مع طوابير المساء أو الصباح، فالوقت وقت قيلولة وسكون، وعليك اغتنام الفرصة، وهو ما حصل بالفعل.
استقبلنا الدكتور بهاء ببيته، وكانت جلسة عائلية طيبة، سمعنا فيها أخبارا جديدة.
قمت بعد ذلك بجولة على الأقدام رفقة الدكتور إلى شوارع المدينة، القصد منها تنشيط الدورة الدموية، إذ شعرت أن الدم قد توقف، لطول المسافة والوضعية الوحيدة التي يتخذها السائق، مما يثير بعض المشاكل في الدورة الدموية. وأحسست بعد ذلك بتحسن. فحرارة الاستقبال، ولطافة الجو، وكرم الضيافة، والجولة السريعة في شوارع المدينة، أعادت النشاط والحيوية، وأنستني طول السفر ومشقته.
بعدها جلست والدكتور بهاء لتحضير برنامج يوم غد: الخطوات والمواقع التي علينا زيارتها.
أخبرني أنه على موعد مع الشيخ مامو رجل فاضل كريم وهو من أعيان المدينة ومن تلامذة الشيخ أحمد الطاهري الإدريسي ـ غدا صباحا، وهناك نلتقي في بيته، وبعدها لكل حادث حديث.
الأحد 19 ديسمبر:
حضور حفل حفظ القرآن الكريم بتنركوك. بقصر تعنطاس. وصلنا منزل الشيخ محمد مامو حوالي العاشرة صباحا في انتظار وصول الوفود الأخرى، للانطلاق إلى تنركوك.
وبعد أن وصل وفد الشيخ مولاي الحاج، انطلق الموكب باتجاه منطقة تنركوك، وبالضبط إلى قصر تعنطاس، 80 كم شمالي مدينة تيميمون، وهو من القصور القديمة بالمنطقة.
من المصادفات الطيبة المباركة ومن التسهيلات الربانية في هذه الرحلة العلمية، أنها تزامنت مع إقامة حفل تخرج بعض الطلبة وحفظهم للقرآن الكريم، بمنطقة تنركوك، وهم من أبناء تلامذة الشيخ مولاي الحاج إحدى الشخصيات العلمية المشهورة بالمنطقة، ولذا دعي إلى حضور ذلك الحفل.
رافقني في الذهاب الشيخ مولاي عبد الرحمن الشريف، وهو ابن الشيخ الحبيب مؤسس مدرسة تاسفاوت القرآنية، وأحد أعلام منطقة توات.
درا الحديث عن الحركة العلمية بتوات، أبرز رجالها، الاهتمام بالفقه والفقه المالكي تحديدا، الجهود التي تبذلها مدرستهم في سبيل الحفاظ على المرجعية الدينية بالمغرب الإسلامي، العقيدة الأشعرية، الفقه المالكي وتصوف الإمام الجنيد. كما حدثني عن دخول الأشراف إلى المنطقة ودورهم في التعليم وفتح الزوايا، وعناية أهل المنطقة بحفظ أنسابهم، لما يترتب عن ذلك من واجبات. والتقسيم الطبقي والاجتماعي بالمنطقة، وأخبرني أن لديهم بمكتبة الزاوية كم هائل من الوثائق والمؤلفات التي تستحق الاطلاع والسفر إليها، فدعاني إلى زيارة مدرستهم بتاسفاوت ناحية أدرار. واتفقت معه على القدوم إليهم، حين انتهائي من العمل في زوايا منطقة قورارة.
وكان الشيخ مامو قد اتخذ مكانه في المقعد الخلفي، وكان عليه آثار التعب، فلم يشاركنا حديثنا، إلا بتدخلات مقتضبة.
وعند وصولنا إلى قصر تعنطاس توقفت السيارات، ونزل الجميع، وجدنا في استقبالنا أهل القصر، وفي مقدمتهم أعيان القصر وشيوخه. كان الموقف جليلا، صف طويل من أعيان وأبناء القصر، في استقبال الشيخ مولاي الحاج والوفد المرافق له، وكان من عناصره شيخ زاوية بني مهلال، وشيخ زاوية الدباغ، وأحد كبار طلبة الشيخ محمد بلكبير.
ومن حسنات هذا الجمع المبارك، أني قابلت الأستاذ مبروك مناد، وهو ابن المنطقة، يشتغل إماما بمدينة الغروس بولاية بسكرة. وضح لي بعض العادات والتقاليد التي تزخر بها المنطقة، رافقني طيلة هذا الحفل.
عند دخولنا المسجد، اتخذت لي مكانا قصيا بعيدا عن البروتوكول، فما كان من القائمين على الحفل إلا دعوتي للاقتراب من المكان المخصص لكبار الضيوف وشيوخ الزوايا والعلماء. احتراما لحق الضيافة، ولما تناهى إلى مسامعهم أني أستاذ جامعي ثم أنني أنتمي إلى الأشراف. وقد يكون مرافقي هو الذي أطلعهم على ذلك.
ألقى الشيخ مولاي الحاج درسا قيما بمسجد القصر، فسر فيه قوله تعالى وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، أتى فيه بالعجب العجاب، كما ركز في درسه على أهمية حفظ القرآن الكريم، وهو من مميزات هذه الأمة، ونبه إلى مبدأ الوسطية والاعتدال في العمل والعلم والسلوك اليومي للمسلم.
واستغلت المناسبة لعقد قران مجموعة من الشباب، فقام الشيخ مولاي الحاج بعقد القران، وألقى كلمة بالمناسبة. وعلى الواحدة قدم لنا طعام الغداء داخل المسجد، تطوع أبناء القصر بإعداده وشارك الجميع في التحضير والتوزيع والتنظيم.
مظهر آخر من مظاهر العناية بالقرآن الكريم، وتبجيل العلم والعلماء، لايزال العلماء يحظون بالمنزلة الرفيعة، والدرجة السامية لدى جمهور المواطنين، هي عادات أصيلة عند أبناء هذه المنطقة، تلحظها من خلال عفويتهم في الاستقبال والتعامل، من خلال حرصهم الشديد على إبراز مظاهر الاحترام والتقدير للعلماء.
على أن ما يمكن ملاحظته وبشكل سريع، هو هذه العلاقة القوية التي تجمع بين العلماء والعامة، هو هذا الاحترام الشديد إلى درجة التقديس، لما يقوله العلماء، فكلمة العالم لا تزال تحتل الصدارة في أوساط المجتمع التواتي، ومكانة العالم لا تدانيها مكانة في هذه المناطق.
فقد شهدنا كبار المسئولين بالمنطقة يقدمون الولاء للشيوخ والعلماء، بل يجلسون في أماكنهم حتى يأذن لهم الشيخ، والذي يقود سيارة الشيخ هو ضابط سامي في الجيش الوطني الشعبي.
وربما من العوامل التي ساهمت في تمتين هذه العلاقة هو المشاركة الدائمة للعلماء ليوميات البسطاء، وحضورهم معهم في كل المناسبات والمواقف، وهو الأمر الذي نفتقده ربما في مناطق الشمال.
المسجد غاص بجموع المصلين الذين قدموا من كل انجاء المنطقة لحضور درس الشيخ، والاستفادة من معلوماته ودروسه، فالكل يصغي بانتباه شديد. ولعل ما يزيد النفس سرورا ويبعث في القلب ارتياحا، هو حضور الأطفال الصغار، وحرص الآباء على إحضارهم معهم.
خرجنا من المسجد حوالي الساعة الثانية مساء وهو موعد القيلولة عند أهل الجنوب، حيث يعود الناس إلى منازلهم لأخذ قسط من الراحة، وبعدها تناول الشاي والقيام لصلاة العصر.
عدت إلى مدينة تيميمون رفقة الشيخ مامو، وكانت رفقة ممتعة مفيدة، حدثني فيها عن دراسته على يد الشيخ أحمد الطاهري، وعن أبرز رجال المنطقة من العلماء الذين كان لهم دور كبير في بعث النهضة العلمية على رأسهم: الشيخ أحمد ديدي، الشيخ أحمد الطاهري الإدريسي، والشيخ محمد بلكبير، ويعد الشيخ مامو من تلامذة الشيخ أحمد الطاهري. لم أشعر بطول الطريق ولا بعناء السفر، والرجل قمة في التواضع والآدب.
وأصر الرجل على دعوتي والدكتور بها لحضور مأدبة العشاء التي أقامها على شرف الشيخ مولاي الحاج، الذي قدم درسا طيبا بعد صلاة المغرب حول أهمية الدعاء في الإسلام.
مأدبة عشاء بمنزل الشيخ محمد مامو الهامل. بحضور أعيان المدينة. ورئيس البلدية. وهو شاب مثقف لطيف نظيف، كما أخبرني بعض الحضور، وحدثني عن بعض الجهود المبذولة من قبل أبناء المنطقة في سبيل التعريف بتراثها وتاريخها.
منهم أحد أفراد أسرة الجوزي ـ عائلة علم وقضاء في منطقة قورارة قديما ولا تزال ـ وهو إمام حاليا بمدينة بجاية، ويعد تأليفا حول أعلام توات، بلغ فيه مرحلة متقدمة. كما أشار إلى جهود ابن الوليد صاحب خزانة ابن الوليد بأدرار.
كما كانت المأدبة فرصة لمقابلة الأستاذ مبروك مناد، الذي دعي بدوره إلى المأدبة. فقدم لي بعض النصائح والتوجيهات، فيما يتعلق بالأشخاص الذين يمكنني الاعتماد عليهم في مدينة أدرار، منهم الحاج عبد الله باحمو، وهو من أعيان مدينة أدرار، رجل متعلم ومن الطبقة المثقفة، ورئيس مجلس شعبي بلدي سابق. اتصل به وحدد معه موعدا للقائه بأدر
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire