Messages les plus consultés

lundi 21 mars 2011

رد الاستاذ عبد المنعم القاسمي الحسني على بيان الحاج المأمون القاسمي الحسني

كتبهاعبد المنعم ، في 8 يوليو 2010 الساعة: 23:41 م

طالعتنا الصحف الجزائرية في الأيام الأخيرة بجملة من المقالات عن الحادثة التي كما سماها الدكتور محمد لعقاب حادثة معزولة, عن أولئك الأئمة الذين لم يقفوا لتحية العلم الجزائري، وبصرف النظر عن صواب تصرفهم أو خطأه، وبعيدا عن المناقشات الفقهية والمجادلات البيزنطية العقيم، علينا أن نحلل القضية إلى أدق تفاصيلها، ونستخلص منها العبر والدروس، لنضع القاطرة في الطريق السليم، فلم يعد الوقت يسمح بالمزيد من الأخطاء والمزيد من التجربة والخطأ.

إن المتتبع لهكذا مواقف، والمهتم بهذه التفاصيل، ليعجب من هذا المستوى من الطرح والمعالجة والنقاش. فالذي خلصنا وخرجنا به من هذه الزوبعة المفتعلة، هو هذا الضيق الفكري، والنظرة الأحادية التي لا تزال تتحكم في مصير المجتمع الجزائري، بالرغم من أننا نعيش في القرن الواحد والعشرين، وفي عالم حرية الفكر والانفجار المعرفي.

تتبعنا جملة التصريحات التي صدرت من هنا وهناك، والتي تصب كلها في خانة النظرة الأحادية والفكر الشمولي الذي يبدو أنه يبقى مصير هذا البلد ولن نستطيع منه الخروج مهما فعلت. ويستثنى من هذا موقف الأستاذ محمد الهادي الحسني، الذي طالب بإقامة نقاش مفتوح، تحضره أطراف متعددة معنية بالموضوع، وكل يدلي بدلوه، ويقدم حجته وبرهانه، ثم لنا بعد ذلك كمتلقين أن نحكم.

على أن الذي حز في النفس أكثر هو بيان الزاوية القاسمية الصادر عن مشيخة الزاوية يوم 2 جويليت الداعي إلى تصدي الدولة للمذاهب الفكرية المنحرفة. مما يحمل دلالات كثيرة ومعاني خطيرة، فالمعروف عن التيار الصوفي أنه داعية للحق والخير والمحبة والتسامح، ـ والزاوية القاسمية تمثل إحدى أكبر معاقل التصوف في الجزائر بله في المغرب الإسلامي ـ، ولا يدعو بأي حال من حال إلى تكميم الأفواه ومصادرة الحريات هو تيار يدعو إلى الحوار شعاره في ذلك قوله تعالى: "وجادلهم بالتي هي أحسن".

والبيان شكلا ومحتوى يعيدنا إلى فترات عصور الظلام، حين كان المرء عند عجزه عن المناقشة والحوار، يلجأ إلى السلطة، لتأخذ له بحقه من الآخر …. وهو من أساليب الكنيسة التي اعتمدتها في العصور الوسطى، حيث حكمت على المفكرين والأحرار والمبدعين بالإعدام والهرطقة، لمجرد معارضتهم لأفكارها وآرائها، واستنجدت بالسلطة الزمنية في تنفيذ هذه الأحكام، وقد "أصدر الإمبراطور ديوقلسيان، الذي حكم بالحديد والنار، مراسيم عديدة ضد الهرطقة وأكد فيها على جميع القساوسة إذا لم يتركوا هرطقتهم فسوف يبعدون إلى خارج الإمبراطورية. وقد اختار أكثر من ثلاثمائة كاهن وشماس منهم النفي ودخل الباقي السجن"، وقبل ذلك أثينا التي استخدمت القضاء والسلطة للحكم على سقراط بالإعدام، بدعوى إفساد عقول الشباب.

تتفق البشرية جمعاء على حماية حق الآخر المختلف في الوجود وفي التعبير عن نفسه، وبوجوب حماية الدولة للأطراف كافة بمن فيهم من يدعو لإسقاطها، وأنها أكبر مصدر للأمن والسلم في المجتمعات التي تسعى إلى تحقيقها. وعلينا عرض هذه الأفكار ما دامت لا تشكل خطرا على الدين والأمة، ونسمح لأصحابها بعرض وشرحها، ثم بعد ذلك نناقشها مناقشة علمية موضوعية هادئة، فالمطلوب هو إقناع الأطراف بصحة دعواي وبفساد دعوى الطرف الآخر. فلا بد من السماح بالتعددية الفكرية. لأن التعددية الفكرية تضمن الأمن الفكري، وهو الذي عقدت له وزارة الشئون الدينية الشهر الماضي ملتقى دولي، وفي أول خرجة لها عارضت توصياته وانقلبت عليها ـ فهذه التعددية "تُعطي المواطن الثقة برسوخ المؤسسات الاجتماعية الرسمية وغير الرسمية، والثقة هذه هي أكبر مصدر للأمن". والصراع الآن هو صراع أفكار والبقاء فيه للفكرة الصحيحة. وليس للسلطة الزمنية الحاكمة.

وقد انتبه لهذه الحقيقة أحد أساطين الاحتلال الفرنسي وكبار رجاله الماريشال بيجو"Bugeaud": "وحتى نحضّر فلا بد من نشر الأفكار الإنجيلية، فلنفكر جيدا، إن الأفكار سوف تضمن هيمنتنا، وأن الأفكار هي التي ستحاربنا، إن قوة الأمير عبد القادر الحقيقية، القوة التي تثبت أمامنا منبعها الأفكار، لذلك فإن الأفكار لا تأتي عليها إلا أفكار جديدة أعلى منها، ويجب أن يقود هذا المبدأ سيرنا نحو الانتصار، فإن ظهر أكثر بطئا فإنه بالمقابل مضمون العواقب".

لا أريد أن يفهم من كلامي هذا أنني مع الذين لم يقفوا لتحية الراية الوطنية، فقد استشهد من أجلها أكثر من ثلاثة ملايين جزائري، ودفعنا في سبيل رؤيتها خفاقة عالية النفس والنفيس، لكني أخشى على البلاد من الدخول في متاهات لا حصر لها بسبب تدني الحوار وافتعال قضايا جزئية، والابتعاد كلية عن القضايا المصيرية للبلاد، خصوصا أن النخبة أو من يفترض أنهم يمثلون النخبة في هذا البلد هم الذين شاركوا في النقاش.

أين كان أصحاب هذه البيانات المقيتة في العشرية السوداء التي كانت تمر بها البلاد، أين كانوا عندما ديس على الدستور وضرب بقوانين الجمهورية عرض الحائط، أين كانوا عندما ألقي بالمئات من أبناء هذا الوطن في غياهب السجون ومحتشدات الصحراء… أين هي بياناتهم ضد الفساد، ضد التدمير الممنهج للتعليم في البلاد، ضد القضاء على اللغة العربية، أين كان هؤلاء في حصار غزة، أين كانوا في الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، هم أشبه في ذلك بأصحاب الكهف، والآن تفسح لهم وسائل الإعلام وتمنح لهم الصفحات الأولى لإصدار بياناتهم. ولله في خلقه شئون.

التصوف الحق هو قبول الآخر، هو التسامح، هو الحوار، فأكثر الكتب رواجا في الولايات المتحدة الأمريكية مؤلفات ابن عربي، وديوان المثنوي لجلال الدين الرومي، والخاصية التي تجمع هذين القطبين من أقطاب التصوف الإسلامي، هي التسامح وقبول الآخر، ولذا لاقت مؤلفاتهما صدى قويا في كل بقاع العالم، ورأينا احتفالات اليونيسكو بالذكرى 800 للشاعر الصوفي الكبير جلال الدين الرومي.

تترك هذه البيانات والمواقف، آثارا قد لا تمحى على المدى البعيد، وقد تؤكد صدق الفرضية التي تذهب إلى أن ظهور التصوف من جديد وبروزه على الساحة، جاء نتيجة رد فعل على هجمات 11 سبتمبر، إذ "أتى تسييس الصوفية لخلق توازن فكري معتدل داخل المجتمعات التي تعاني من التطرف الديني، وهي مسألة لا تخطئها عين من يتابع الاحتفالات الصوفية ولا يهملها عقل من يفكر في خطاب المتصوفة حيال السلطة من جهة، والحبل السري الذي يربط تنظيمهم بشقيه الإداري والروحي بجهاز الدولة المدني والديني من جهة ثانية".

ونحن نعيش احتفالات الاستقلال، لا نريد أن تعكر صفو هذه الأجواء مثل هذه المهاترات والدعوة إلى مصادرة الحريات، إن العالم الآن يعيش ثورة ديمقراطية ولم يعرف لها مثيلا من قبل، والجزائر تنعم الآن بحمد الله بهذه الحرية التي لا تعرف لها دول العالم الثالث مثيلا، وقطعت أشواطا بعيدة في المصالحة الوطنية، التي ساهمت في إطفاء نار الفتنة، وإخراج البلاد من النفق المظلم الذي عاشت فيه طيلة عشرية كاملة، والآن وقد منّ الله عليها بهذه النعمة بفضل رجال صدقوا الله وأخلصوا نيتهم للوطن، لا نريد أن نعيد من جديد سيناريو بداية الفتنة، أين احتكر كل شخص الحقيقة، واعتبر نفسه المالك الوحيد لها. لا نريد أن نعود إلى عهود الحزب الواحد والحكم الديكتاتوري الشمولي، أنا ربكم الأعلى فاعبدون.

أمامنا الآن عدة تحديات، نحتاج فيها إلى تكاتف الجهود وتوحيد الصفوف، والعمل بجد لرفع هذه التحديات، والتقدم بالبلاد إلى مستويا أفضل.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire