Messages les plus consultés

samedi 26 février 2011

فلاح يستنفر جهاز الاستخبارات الجزائري

اسماعيل القاسمي الحسني



ليس بالضرورة كما يعتقد البعض أن أكون عنصرا من جهاز الاستعلامات لأمتلك ما أعبر عنه من شجاعة في طرح ما يتعلق بوطني، وكذلك ليس بالضرورة أن أكون مسنودا من قبل احدى ركائز النظام، مع الأسف هذا ما ذهب إليه بعض من متتبعي مقالاتي في جريدة 'القدس العربي'، معللين تحليلهم باستحالة تناول جهاز الاستعلامات من قبل مواطن عاري الكتفين فتلك خطوط حمراء من تعداها، قذف به إلى ما وراء الشمس.
ولست أدرى بصراحة لما لا يوضع احتمال ولو ضئيل بأن في الجزائر مواطن فعلا بسيط، يملك ما يكفي من الجرأة لقول كلمة يعتقد أنها صواب، لا يحركه كالدمية أي طرف! ويشهد الله أنها هذه الحال والواقع.
جهاز المخابرات ليس بعبعا، ورجاله ومهما قيل ليسوا وحوشا جيء بهم من كوكب آخر، هو جهاز كسائر أجهزة الدولة له صلاحياته وعليه واجبات محددة، والمنتسبين إليه من أبناء الشعب ذاته، يحملون ما يحمل من عقيدة ومبادئ وموروث حضاري، ولا تخلو إدارة أو جهاز أو أي تجمع بشري من الصالح والطالح، ولا يحق لأحد أن يحكم من خلال المفلس على الجميع .
فإرسال الأحكام المطلقة بحد ذاته خطأ فادح، وإن كان من أحد يملك شهادة على جريمة ارتكبها عنصر أو عناصر من جهاز الاستخبارات الجزائرية، فهناك من يشهد بنقيض ذلك، وهنا ليس من الموضوعية أن تلغي الشهادة الأولى الثانية وجوبا، والعكس صحيح، ولست بمعرض الدفاع ولا إثبات هذه أو نفي تلك، إنما ما أراه أهلا للنقاش بموضوعية، وبدافع وطني صرف، هو سياسة هذا الجهاز وليس سلوكيات بعض أفراده.
لقد طرحت عبر هذه الجريدة سابقا تساؤلاتي المشروعة حول دور جهاز المخابرات في الجزائر، خاصة في مواجهة تحديات وتهديدات ترقى في خطورتها إلى درجة المساس بالأمن الوطني ومستقبل البلاد، كان من بينها تعيين أشخاص متابعين قضائيا وغير مؤهلين في مناصب عليا وحساسة في الدولة، المواد الاستهلاكية والأدوية الخطيرة المستوردة من الكيان الإسرائيلي، وإهدار المال العام وتحويله بطرق غير مشروعة ولا قانونية إلى الخارج، وبناء العلاقة المتعدية مع العدو الإسرائيلي عبر عقد شراكة مع شركة 'إيجاس' المصرية' مؤخرا.
وهناك الكثير من هذه الملفات الخطيرة لا يتسع المقال لتعدادها؛ لم تكن هذه التساؤلات في سياق اتهام الجهاز أو استفزازه، بقدر ما كانت استنفارا لرجاله ليواجهوا حقيقة مرة، وهي أنني كمواطن جزائري أصبحت في حيرة من تقييم قدرة الأجهزة الدفاعية عن مصالحي، بل السؤال الأهم: ما مدى صلاحيات جهاز المخابرات في حربه على الفساد؟ وما وزن تقييمه وملاحظاته سواء في تسيير الشؤون الداخلية، أو السياسة الخارجية لدى السلطة السياسية التي تملك القرار؟
بكل ثقة وصدق أقول لو كان رأيي في سياسة وعناصر جهاز المخابرات قائم على الاتهام بالفساد، لما تراجعت عن توجيهه والسعي للاستدلال بموضوعية عليه، غير أنني عرفت من بينهم رجالا يتمتعون بكفاءات علمية عالية، ويعبرون عن روح وطنية قوية، واستقامة وانضباط في السلوك يترجمان وعيا متميزا؛ هذه النخبة من المادة الرمادية والتي لا تخلو منها كذلك مؤسسة الجيش، هي المعنية تحديدا بتساؤلات المواطن.
كما أنها معنية بطروحات الشخصيات الوطنية حول أوضاع البلد بمجملها، من أمثال عبد الحميد مهري، وأحمد طالب الإبراهيمي وحسين آيت أحمد والشاذلي بن جديد ولخضر الإبراهيمي وأحمد بن بيتور وغيرهم كثير، وقد أجمعوا على أن الأوضاع ليست على ما يرام؛ أشك أن نخبة الخبراء من جهاز الاستخبارات تخالف هذا الرأي، لنقف على السؤال التالي: أليس من صميم مهامها الإصلاح؟ أم أنها عاجزة عن ذلك؟ أم أن الحدود القانونية لوظيفتها لا تخول لها ذلك؟
لا شك لدي أن الخبراء الاستراتيجيين من المنتسبين لهذا الجهاز، تحمل ضمائرهم ذات النية في صلاح البلد، وقطعا رؤاهم هي عينها من الزاوية التي من خلالها ترى نخبة الشخصيات الوطنية المستقلة، أقول هذا عن علم.
والمقصود هنا ليست العناصر الدنيا ولا حتى القيادة العليا، بل النخبة من خبراء جهاز الاستخبارات، وهي لا تختلف عن نظيرتها في الجيش الوطني، إذن فالمشكلة ليست هنا، إنما العقدة في عدم الأخذ بعين الاعتبار لرؤيتهم، المؤسسة على دراسات علمية ، ولا برأيهم الذي يرتكز على المصلحة الوطنية، لا يمكنني كمواطن بسيط أن أصدق - مثلا وليس حصرا- بأن جهاز المخابرات لم يؤشر على ملف فلان بالرفض نظرا لملفه القضائي الأسود، كمرشح لمجلس الأمة، أو لأنه لا يملك أي مؤهلات، غير أن من بيده قرار التعيين تجاوز ملاحظة الجهاز، لاعتبارات يراها هو كذلك من المصلحة الوطنية وإن كانت لا تستند إلى منطق واضح ومعلوم.
ينسحب هذا المثل على أشباه رجال الأعمال، ورجال السياسة وعلى أيادي هؤلاء يتم تدمير مقدرات وثروات الوطن على كافة الأصعدة؛ هنا إذن مربط الفرس.
أعلم جيدا ان الجزائر ككل الدول العربية، لم تعرف بعد النظام المؤسساتي، ولا يصح وصفها بالدولة الحديثة التي تقوم على منظومة قانونية راسخة، تحدد بدقة صلاحيات وواجبات الفرد والمؤسسة وبنفس القدر حقوقهما، لكن هل ننتظر أن تنزل علينا هذه الدولة الحديثة من السماء؟ أم تجلبها لنا دبابات دولة أجنبية كما هو حاصل في العراق؟
الجواب قطعا لا هذا ولا ذاك بالنسبة للعقلاء، إنما يبنيها أبناؤها المؤهلون علما وخبرة، والخيرة من هؤلاء للمفارقة، هم من قيادات الجيش الوطني وجهاز الاستخبارات؛ وهم بالدرجة الأولى من تقع عليهم مسؤولية بناء دولة القانون، في هذه المرحلة الحرجة للغاية.
لقد ولى عهد الولاء للشخص أو القائد وما إلى ذلك، ونحن اليوم نقف جميعا أمام أحد الخيارين، الولاء لله، الوطن والشعب، أو الولاء للمصالح والتيارات والشخصيات؛ ولعلنا نتفق جميعا - نظريا على الأقل- بأن الولاء الأول هو الأصل والقاعدة والمبدأ، وأما الثاني فقطعا ليس إلا خراب بيوت مستعجل، ينهار سقفها على الجميع، ولن يكون المعنيون بهذا المقال بمنأى عنه.
لنقف بشجاعة أمام السؤال التالي: هل تتفق النخبة الأمنية والعسكرية في تقديرها لأوضاع البلد مع رؤية الشخصيات الوطنية المستقلة النزيهة؟ إن كان الجواب بالنفي لما تملكه بحكم موقعها من معطيات، فلم لا تعرضها بين يدي هذه الشخصيات حتى تكون الأخيرة داعما ومساندا، بدل المعارض! فهي أهل ومن حقها كما هو من حق الشعب أن تكون على بينة من الأمر؛ أما إن كان الجواب بالإيجاب، فأعتقد أن الولاء الصادق للوطن والشعب يقتضي من هؤلاء الرجال المرابطين والمؤتمنين على مصالحنا ألا يكتفوا بإبداء الرأي ورفع التقارير إلى السلطة السياسية لتضربها عرض الحائط أو ترمي بها في سلة المهملات، بل عليهم فرض القانون حتى على أعلى هيئة سياسية.
ومثلا على ذلك دون حصر فمتى تؤشر مصالح الأمن على ملف شخص ما بالرفض معتمدة على سوء سلوكه أو عدم أهليته، لن تسمح للقيادة السياسية تحت أي ذريعة بترشيحه وتعيينه في منصب كعضو في مجلس الشيوخ، كما يسري هذا الأمر على الأحزاب وكل المرشحين لوظائف تشريعية أو تنفيذية أو دبلوماسية.
لقد نجح بذات الأسلوب جهاز الاستخبارات التركي والنخبة العسكرية، التي يعود الفضل إليها بالدرجة الأولى في النهوض بتركيا بقوة فعلا، حين فرضت استقلالية المؤسسات، والتزمت وألزمت غيرها باحترام قواعد العمل المشترك، تحت سقف القانون وبما يعود بالنفع على تركيا شعبا ودولة، لا يمكن الآن هناك في تركيا أن يستوزر رجل تملأ الجرائد فضائح نهبه للمال العام، كما لا يتأتى لوزير ادخل وكيل وزارته السجن بجرم الاختلاس ألا يقدم استقالته.
كما لا يوجد في مجالسهم النيابية من صدرت في حقهم أحكام قضائية في جرائم؛ حين أضرب المثل بتركيا فإنما عن علم، لقد قمت بزيارتها وعاينت ما لا يمكن ذكره في وسائل الإعلام، إضافة عن التطور الاقتصادي ونموه المذهل، واكتمال للبنى التحية بمقاييس دولية، وانكفاء للجريمة ملموس سواء المالية منها أو الاجتماعية، وغيرها مما له صلة بإقلاع المجتمع نحو التمدن والممارسة الديمقراطية السليمة.
إن الجزائر شعبا وكيانا أهل لينهض خيرة رجالها، بنفس الدور الذي قامت به الأجهزة التركية، والكل يعلم أنها غنية بكفاءات سياسية عالية ونزيهة على استعداد تام للتعاون والعمل، من أجل تحقيق هذا الهدف الممكن، إذا خلصت الإرادة في الولاء للشعب والوطن..أما إن بقيت رهينة الأشخاص والتيارات والمصالح، فليتقبل مني جهاز المخابرات العزاء في الجزائر شعبا ووطنا، إنا لله وإنا إليه راجعون.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire