زاوية الهامل درة الصحراء وملاذ الغرباء ومبعث النور والضياء، من أعلى قمم التصوف والصفاء، من أسمى هامات الطهر والبهـاء، بحر من الخير والصلاح، ومركز التقوى والفلاح، سمت بقامتها على مثيلاتها من جبال العلم واليقين، وراحت تنشر على الأحياء والأرجاء نسمات الصدق والوفاء، وتفتح أجوائها للغرباء والفضلاء والعلماء، من هنا مـرَّ المكي والكتاني والبوطي وابن نبي، وها هنا أقام الديسي والخنقي والسنوسي.
هذي القباب التي زادت المكان بهاء وروعة وجمالا، وهذي الجدران التي احتضنت عقد الأشعري وفقه مالك وطريقة الجنيد السالك، وهذي الدروب التي سلكها الفقهاء والعارفون، أشبه ما تكون بدروب بغداد المحاسبي والبسطامي وسمنون.
زاوية الصلاح وهي أشبه ما تكون بزوايا الشرق البعيد المليء بالأسرار والأخيار والأبرار.
خرجت أمشي في الساحة الخلفية للمسجد ورحابه الواسعة، فأخذتني روعة المكان عن نفسي وروحي، ورحت أنقل الفكر بين الماضي والحاضر، بين من كانوا هنا، ومن لازالوا ها هنا يقيمون، ورحت أنقل البصر بين تلك المشاهد والمناظر، فتمتلئ النفس بهذا الجمال والجلال، وتعود إلى القلب ذكريات الرجال، ولن يستطيع القلب أن ينسى هذه اللحظات التي يقتنصها الإنسان اقتناصا ويتحينها بين الفينة والفينة، لكنها تكفي لمعيشة سنة كاملة.
وأحرص دوما على إمتاع النظر والقلب بهذا البهاء والجمال، احرص على أن يكون الزاد الذي نتقوت به منها، أقف متأملا مصغيا لورق التوت الذي يعود بالذكرى إلى عهد سيدنا آدم عليه السلام، فكأن المكان وجد منذ ذاك الزمان، فيخبرني أن هناك من الناس من مرَّ دون أن ينظر أو يتفكر، وهناك من الناس من توقف وتدبر، وهناك من أفنى حياته وزهرة شبابه هنا في التعليم والتدريس والنظر.
تخبرني أن فرنسا أرادت يوما ما هدم المقام ودكه بالمدافع، واجتمع الناس في يوم مشهود، وكلهم حيرة وأسف وحزن لما سيحدث لهذا المقام الذي آواهم وأطعمهم، والتقوا في الساحة الأمامية للمسجد، وهنا حدثت المعجزة: فكلما وجه العدو مدافعه باتجاه المسجد توقفت عن القذف، وكلما وجهت إلى الجبل انطلقت منها القنابل مدوية مفجرة، حتى جن جنون القائد وحاول العملية ثلاثا، ولما تأكد لديه أن الأمر يتعلق بكرامة إلهية، أخذ جنوده ومدافعه وانصرف.
البصر حائر في هذه المشاهد الكثيرة المهيبة، التي تؤلف مع بعضها البعض آية من آيات العظمة التي تدعو العبد للسجود والاقتراب، وتكتب قصيدة من أروع قصائد الجمال والضياء، وتبعث في النفس الشعور بالفخر والاعتزاز، وتلقي على الروح نفثات سبوحية والهامات نورانية لا يدريها إلا من عاناها.
لست أدري ما الذي يجعلنا نعشق هذي الأرض عشقا بالرغم من أننا لم نعرفها ولم نولد بها وما أقمنا بها إلا أيام العطل والسكون، لست أدري ما الذي يجعلنا مشد
Messages les plus consultés
-
لزوبعة الذهنية أسلوب العصف الذهني Brain storming ، أو ما يعرف بالقصف الذهني أو الزوبعة الذهنية: إن مصطلح العصف الذهني يعد أكثر استخ...
-
ساهم علماء الجزائر في حركة التعليم والتأليف مساهمة فعالة، وليس أدل على ذلك من وجود العشرات من العلماء الجهابذة الذين بلغوا درجة الاجتهاد وال...
-
إن منح الزمان أن تجد أناسا لله قائمين بالنصح والإرشاد والدعوة والتعليم ومن بين هذه النفحات الغالية وجود الزاوية العظيمة زاوية سيدي محمد بن أ...
-
تبهاعبد المنعم ، في 24 يناير 2011 الساعة: 22:25 م رحلتي إلى توات قرأت كثيرا عن منطقة توات، بحكم الاهتمام بموضوع...
-
ظهرت الزوايا في المغرب الإسلامي منذ القرن السادس الهجري، الثالث عشر ميلادي، حيث حلت تدريجيا محل الرباط، ثم تطورت مهامها وتوسعت على يد المراب...
-
سم الله الرحمان الرحيم هذه هي المجموعة الثانية للمخطوطات وقد وضعت العنوان ومؤلف المخطوط وان شاء الله سوف اضع البطاقة الفنية للمخطوطة بالتع...
-
قائمة منشورات دار الغرب الإسلامي / بيروت كتبه مشاري القحطاني بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أسعد الله أوقات ال...
-
ظهرت ولاية الجلفة بمقتضى التقسيم الإداري عام 1974 للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وهي تضم 36 بلدية، و12 دائرة يزيد تعداد السكان ل...
-
كتبها محمد علي قاسمي الحسني ، في 9 يوليو 2010 الساعة: 23:10 م عرفت الجزائر بدورها عددا هاما من الزوايا أدت أدوارا أساسية في تاريخ المنطقة...
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire