Messages les plus consultés

samedi 26 février 2011

فلاح عربي يسأل عن دور أجهزة المخابرات العربية: الجزائر نموذجا اسماعيل القاسمي الحسني الجزائر تايمز : 30 - 07 - 2009

ليس من باب كل ممنوع مرغوب فيه، ولا استجابة للفطرة البشرية الفضول وحب الاطلاع، بل هو سؤال موضوعي ومشروع لكل مواطن عربي : ما دور أجهزة المخابرات العربية؟
أبلغني أحد المنتسبين لهذا الجهاز الحساس، عدم قبوله الإشارة إليهم مباشرة، في مقالاتي تفاديا لاستثارة غضبهم، غير أنني لم ولن أفعل مع تفهمي لموقف الرجل، لأنني على قناعة تامة بسلامة طويتي، ولأنني أرفع صوتي من قلب الجزائر وليس من الخارج، فأنا تحت بصرهم وأيديهم، وأخيرا لأن السؤال والهدف من ورائه حق مشروع، ليس وراءه اتهام ولا اهانة .
وأتفهم موقف الرجل، لأن طبيعة وظيفة هذا الجهاز أمنية تقتضي السرية التامة، وليس معقولا مساءلته عبر منابر إعلامية خاصة منها الدولية، وإن كان ولا بد من طرح الانشغالات المتعلقة به، فهناك حلقات ودوائر ضيقة، وبشكل قانوني ودستوري يمكنها تلقي الأجوبة من هذه الأجهزة، وإعادة صياغتها لنا نحن الشعب بما ينسجم مع المصالح العليا والحفاظ عليها.
ما أود الإشارة إليه هنا نقطتان : الأولى أن الدوائر المعنية بنقل تساؤلاتنا (اللجان الأمنية في البرلمانات)، لا تقوم على شكل يكاد يكون مطلقا بدورها، وهذا أمر لا يحتاج إلى دليل، وإن فعلت فالأجوبة التي تحملها إلينا تفرغها من كل معنى لتصبح كلاما إنشائيا لا طعم له ولا لون.
النقطة الثانية: معقول ومفهوم عدم إثارة أسئلة أمنية ذات طابع عسكري بحت، ولكن في المقابل، أجهزة المخابرات مدعوة لكشف نتائج عملياتها الناجحة خصوصا، والتي مضى عليها الوقت الكافي لعدم الإضرار بمصالح الوطن، حتى تتعزز ثقة الشعب بدور هذه الأجهزة، وتمحو بعض الشوائب التي علقت بها حتى لا أقول الجرائم التي اتهمت بها من قبل المنتسبين إليها. غير أن هناك قضايا غير سرية وتمس بشكل مباشر استقرار الأوطان وأمنها، ومصداقية الأنظمة وأجهزتها، إنها الجرائم الاقتصادية، والأخطر في الموضوع أن أبطالها طالت شبكات علاقاتهم رأس السلطة.
الإمبراطور الوهم
---------------
ومن الأمثلة التي تستوقفني، ذلكم الشاب الذي لم يتم عقده الرابع (آنذاك)، ففي أواخر القرن الماضي، والذي صادف تولي السيد عبد العزيز بوتفليقة رئاسة الجزائر، ظهر على الساحة شاب من المجهول، سرعان ما احتلت أخباره العناوين البارزة في وسائل الإعلام، وبقدرة ومعرفة كذلك مجهولة يبني أكبر مجمع بنكي اكتسح مدن الجزائر ليشفط أموال مؤسسات النظام، ثم يؤسس شركة للطيران مكونة من أسطول ينافس بقوة شركة الخطوط الجوية الجزائرية، ويتغلغل اسم هذا الشاب في الأندية الرياضية والمدنية والخيرية، وباختصار شديد خلال عامين تم بناء إمبراطورية ضخمة من العدم، تدير ثروة هائلة بمليارات من العملة الصعبة إضافة الى العملة المحلية، وتحتل عقارات تزاحم كما ونوعا المؤسسات الرسمية للنظام .
صعود نجم هذا الإمبراطور لم يكن بمعزل عن بعض وجوه السلطة، والتي ما زال أرشيف الصحافة يحتفظ لها بصور تذكارية جمعتها به، في لقاءات مع الأسف الشديد رسمية، فليس معقولا ألا يعرف مسؤول بمستوى وزير من أين جاء هذا الشاب وكيف يبني إمبراطوريته من فراغ، غير أن الأمر يزداد تعقيدا وخطورة حينما يصل الأمر إلى مستوى رئاسة الجمهورية، وهي القلعة التي يفترض أن تحاط بأقصى درجات الحيطة الأمنية .
لقد تمكن هذا الشاب من استغلال اللقاءات التي جمعته بشخص الرئيس داخل الوطن وخارجه، وبشكل رسمي، في تعزيز مكانته وتقوية إمكاناته وقدراته، وتوسيع شبكة علاقاته، لينتهي الأمر وبشكل يدعو إلى الحيرة والتساؤل، أنه ليس إلا إمبراطورا من الوهم، وتنهار كل مجمعاته على رأس المجتمع الجزائري، الذي استيقظ ذات يوم، على واحدة من أكبر جرائم الاقتصاد في العصر الحديث. هكذا جاء بالصدفة والمفاجأة ورحل كذلك. لم يعد هذا الشاب الإمبراطور إلا نصابا محتالا تطارده العدالة، ويرحل من سجن إلى آخر.
تضاربت التصريحات الرسمية المحلية حول حجم الخسائر بين 4 إلى 8 مليارات دولار، وأما المصادر الغربية فذهبت إلى رقم فلكي كذلك تجاوز 17 مليار دولار في أقل من خمس سنوات، وهنا يطرح السؤال الشرعي والمشروع: أين دور جهاز المخابرات قبل وقوع الكارثة؟.
الإمبراطور السفاح
----------------
المثل الثاني، رجل كذلك في عقده الخامس، أسس مجمعا اقتصاديا عملاقا في مصر، وتوالت نجاحاته وأرباحه ليصبح واحدا من أبرز وجوه رجال الأعمال، وركنا قويا في الاقتصاد ولاعبا مركزيا، مما دفعه، وبشكل أخطر من سابقه، لتبوء مناصب سياسية متقدمه، عالية الحساسية بالنسبة للأمن القومي، تمكنه من المساهمة المباشرة في صناعة القرار الاقتصادي والسياسي، والاطلاع على أدق تفاصيل القضايا الأمنية والإستراتيجية لمصر، وتمكن كذلك بموقعه هذا من ربط صلاته بهرم السلطة ومحيطه بشكل لافت .
ويستيقظ الشعب المصري هو الآخر ذات يوم، على حقيقة هذا العملاق الاقتصادي، انه ليس أكثر من عربيد شهوة ومحرض على القتل، غير أن الفارق عن سابقه يتمثل في عدم انهيار المجمعات الاقتصادية التي بناها على رأس الشعب كما حدث في الجزائر، ولم يدفع الشعب المصري كل ضريبة العلاقة ما بين المجرم وهرم السلطة، باستثناء تلك التي جرحت معنوياته، وبمعنى أوضح فان تداعيات الفضيحة في الجزائر مست الشعب معنويا وماديا، وفي مصر معنويا إلى حد الساعة فقط .
ولا داعي هنا للتذكير بأن مصر قد عانت من محاولات الاختراق الإسرائيلية، التي طالت حتى مؤسسة الرئاسة، والتي كشف عنها العدو ذاته، ولازال اللغط قائما حولها، بين زعم العدو أنه تمكن من زرع جاسوس في أعلى هرم السلطة، وتأكيد المخابرات المصرية أنها كشفت أمره واستغلت نجاحها في استثماره لمصلحتها، ومهما يكن فالواقع أن المحاولات مستمرة والصراع قائم، وهنا يطرح السؤال ثانية : أين دور جهاز المخابرات من هذه الكارثة؟
الدور المفترض لجهاز المخابرات
-----------------------------
لست أكشف سرا، حين أقول أن جميع أجهزة المخابرات في العالم، من بين مكوناتها شعبة تضع تحت مجاهرها، كل الشخصيات السياسية والمالية والاجتماعية، وتراقب كل علاقاتها وحركاتها وحتى سكناتها، وهذا الدور ضروري لحماية الدولة ومصالحها، وكذلك بالنسبة لحال الشعوب مثلنا التي لم تتمكن من بناء الدولة، وتعيش تحت سيطرة الأنظمة .
ما أعلمه يقينا، أن أي شخصية يمكنها ربط علاقة برئيس الدولة، إلا ولها ملف لدى جهاز المخابرات، فيه من المعلومات ما يكفي لقيام هذه العلاقة أو نسفها أو تحديد حجمها على الأقل .
كما أعلم يقينا، أنه في كثير من الأحيان تقوم هذه الأجهزة بدورها، غير أن السياسيين لا يعملون بنصائحها وتوجيهاتها حتى لدى الدول الغربية، لا أدل على ذلك من موقف رئيس جهاز المخابرات الأمريكية في الحرب على العراق، الذي وجه فيه الاتهام للقادة السياسيين بعدم الأخذ بتقارير جهازه، وكذلك وزير الدفاع الأمريكي آنذاك (كولن باول) الذي قدم تقريرا كاذبا لهيئة الأمم المتحدة نسبه لجهاز الاستخبارات، وهذا الأخير أعلن براءته منه.
بالنسبة لقضية المقال، لا يستقيم مع المنطق الادعاء بأن جهازي المخابرات (الجزائري - المصري) لا يملكان ما يكفي من المعلومات حول الشخصيتين، وإلا فما جدوى هذه الأجهزة إن كان في قدرة أي محتال أو عربيد أن يصل إلى ربط علاقة مع رأس السلطة! أزعم أن الملفات بأدق تفاصيلها موجودة، ومن الصعب كذلك الاعتقاد بأنها لم ترفع للجهات المعنية بها، ولو كان الأمر كذلك لسارعت السلطة السياسية لمعاقبة مسؤولي الأمن على تقصيرهم وتحملهم تبعات ما لحق من خسائر مادية ومعنوية، غير أن هذا لم يحدث، فعمر سليمان يزداد نجمه تألقا، وكذلك انتقل إلى رحمة الله الجنرال إسماعيل بذكر طيب من قبل جميع فرقاء الجزائر.
إذن، أجد نفسي أمام سؤال ملح: هل وصلت الملفات للرؤساء؟ إن كان الجواب 'لا' فتلك مصيبة وإن كان 'نعم' فالمصيبة أعظم، وفي كل الأحوال، فأجهزة المخابرات العربية، مدعوة وبإلحاح لإبراز دورها في مثل هذه القضايا، ورفع كل التباس حولها، لتدفع عن نفسها شبهات التقصير ناهيك عن تهم التواطؤ، كما أنه ليس مقبولا الدفع بالقول أن الأجهزة الأمنية تنتهي مسؤوليتها عند تسليم التقارير لمؤسسة الرئاسة، بل عليها أن تعرف مدى علم الرئيس بها، وتوجه قراره نحو المصلحة العليا، وتكشف موطن التخاذل والعبث.
ضرورة التغيير
-------------
نصحني أحد نواب البرلمان (لا ينتمي حزبيا للاسلامويين) ألا أقترب من جهاز المخابرات، بعد أن صدرت لي مقالات في 'القدس العربي'، معتمدا في تهديده على أمرين : الأول أن جهاز المخابرات يتعاطى مع من يقترب من حماه بعنف لا قبل لي به، والثاني أن لهذا الجهاز كفاءات عالية تغنيه عن نصائحي . وهنا يظهر لكل عاقل التناقض البين، لا يمكن لكفاءات علمية عالية أن تتعامل مع مفكرين أو مواطنين بسطاء من أمثالي بعنف المجرمين، ذلك بأن من خصائص العلم ومنافعه تهذيب السلوك البشري. وإن كانوا فعلا لا يتعاملون إلا بالعنف، فقطعا لا يملكون الأدوات الفكرية العالية .
إن الصورة التي قدمها سعادة النائب، وهي مع الأسف تسيطر على فئات عريضة من الشعوب العربية، هي بحد ذاتها التي تجعلني أصر على ضرورة تغيير سياسات أجهزة المخابرات العربية تجاه القضايا العامة، والسعي بإخلاص وجد لإعادة النظر في أدوات العمل مع المؤسسات السياسية ورموزها.
لم يعد مقبولا أن تتحمل أجهزة المخابرات في صمت، نكبات القادة السياسيين وزلاتهم، كما لم يعد مسموحا للمسؤولين تجاهل تقصير أجهزة المخابرات وغفلتها، ففي الأخير الأمر يتعلق بمصائر ومصالح شعوب، وليس أنظمة وأجهزة.
وفي الخلاصة، أرى أنه لابد من التغيير كما سبق الذكر، حتى تعيد هذه الأجهزة رسم صورتها في ذهن المواطن العربي، بما ينسجم مع دورها في خدمته والذود عن عرضه ومصالحه.
- عن القدس العربي

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire