وجلس فى حلقات العلم وكان متقدما في التحصيل، بل من أنبغ الطلبة وأذكاهم، أخذ على أشياخ الزاويّة وعلمائها من أشراف الهامل خاصة، علوم الشريعة والفقه،وأصول الدين وفقه اللغة وآدابها وكان مقربا من شيخه الأستاذ بن عزوز القاسمي ينوبه في حلقات العلم، ونال اجازات كثيرة، وشهادات ...
الجزء الثاني :
4- حياته :ولد الشيخ عبد الحفيظ القاسمي عام { 1330هـ 1912 م بالهامل{بوسعادة } عمالة تيطري سابقا{ ولاية المسيلة حاليا} ..والده الشيخ بلقاسم بن محمد بن أخ الشيخ محمد بن بلقاسم مؤسس زاوية الهامل، وقد تولي والده مشيخة الزاوية { 1918 /1928 } وكانت له حلقات علم مشهودة، وله تآليف مخطوطة..أما والدته فتدعي عائشة بنت عبد المؤمن أحد قضاة مليانة،عاش الشيخ مكرما في وسط علمي محترم، يعجّ بألوان المعرفة، وعلوم الدين، وفنون الأدب واللغة،وبيوت مكتظة بآلاف من طلبة القرآن الكريم، وحلقات العلم المختلفة وحظي بتربية خاصة وباهتمام الوالدين الكريمين،حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، وجلس فى حلقات العلم وكان متقدما في التحصيل، بل من أنبغ الطلبة وأذكاهم، أخذ على أشياخ الزاويّة وعلمائها من أشراف الهامل خاصة، علوم الشريعة والفقه،وأصول الدين وفقه اللغة وآدابها وكان مقربا من شيخه الأستاذ بن عزوز القاسمي ينوبه في حلقات العلم، ونال اجازات كثيرة، وشهادات علمية من الشيخ الكتاني وغيره، وأصبح من أعلام الزاوية القاسميّة، بله شيخا من مشايخها الكبار، يجله ويقدره الجميع، ، تجدر الاشارة هنا أن زاوية الهامل فتحت أبوابها لطلبة العلم عام 1863 وذاع صيتها يومئذ،قال عنها الشيخ الحفنوي صاحب تأليف الخلف:{ان زاوية الهامل لاتطأطئ رأسها للزيتونة ولا للقرويين} وقال عنها المؤرّخ توفيق المدني في كتابه حياة كفاح: بأنها {معقل العروبة والاسلام} وقال عنها المستشرق جاك بيرك اثناء زيارته للهامل:عام 1964{ ان تاريخ زاوية الهامل يهمّ تاريخ المغرب بأسره...}في هذه البيئة العلمية المعطاء عاش الشيخ عبد الحفيظ ونشأ بين العلماء والطلبة، كان رجلا متواضعا، قصير القامة بدينا وسيما عندما يتكلم كأن الناس على رؤوسهم الطير، ذكيّ قويّ الحافظة طويل الأناة، فصيحا ذا هيبة ووقار، فهو بليغ العبارة، واضح التعبير، دقيق في نقل فكرته، ويحرص على أدائها بلغة فصحى، يملك ذخيرة لغوية غنية، متدفق المشاعر، متوهّج العواطف،مرهف الاحساس،متحمّس للعمل الجماعي،يحترم رأي الجماعة، طيب القلب،أعطاه الله بسطة في الجسم وحسن سمت وجمال،سهل الجانب ،كريم النفس، واسع الائيثار،حسن الألفة والمعاشارة، عالي الهمّة واسع الصدر كثير التحمّل، يجلس الساعات الطوَال في حلقة الدرس ولا يتزحزح،داره ملجأ للطلبة والفقراء، مشرّعة لأهل الفضل ولكبار الجماعة في كرم حاتمي، فقريتنا الوديعة{ البيرين} بَصَمت ْبجليل أعماله ومواقفه الانسانية الملوّنة بشتى صوّر النبل والشهامة،والقدرة على مسايرة قوافل الاصلاح،كانت قراءاته متنوّعة، يتابع الجديد بشغف ويبحث في أمّهات الكتب، يجلس الى تدريس علوم اللغة والفقه والحديث والتفسير، ويلازم الزاويّة رغم انتقاله الى بوسعادة في مطلع الأربعينات،{1947 }كان سياسيا بارعا ومحاورا ذكيا، ولذلك فإنه أصبح رئيسا لجماعة أولاد نايل {جمعية علمية ثقافية}{1} ولعب من خلال هذه الجمعية دورا كبيرا في اصلاح ذات البين، والتكفل بمشاكل ومصالح القبائل الرحل منهم بالخصوص، وكانت العملية نواة لاستقرار البدو وإعادة إدماجهم في الحياة السياسية، يساعده الدكتور لعراف علي بن دياح والذي اصبح بعد الاستقلال مديرا للمعهد النووي والبحث العلمي وبحوزة هذا الرجل وثائق مهمة .
وقد أهلته هذه المهام ليكون من نجوم الحركات الوطنية،عضوا فاعلا في نجم شمال افريفيا، ثم في حزب الشعب، ليلتحق بخلايا الثورة المباركة فيما بعد وإلى جانب ذلك كان يتولى تسييرممتلكات الزاوية ويدير العمليات الفلاحية في الأراضي [الحبوس] التابعة لزاوية الهامل، وكان له نشاط تربوي واجتماعي وسياسي وعلمي فيّاض مع أحد أفراد عائلته يدعى" الحاج عبد القادربن أبي القاسم "الذي أسّس جريدة {الرشاد} عام 1938 وأدارها الشيخ عبد الحفيظ الى أن توقفت قبيل الحرب العالمية الثانية، عبد القادر القاسمي تربطه علاقة عضويّة بجمعيّة العلماء المسلمين، بل هو من الأعضاء المؤسسين، وكان نائبا في البرلمان{1951 }، لذلك تجد الشيخ عبد الحفيظ يتردّد كثيرا على العاصمة{1} كونه هو الآخر،عضوا مؤسسا في جمعية العلماء المسلمين التي تأسست عام 1931 كردّ فعل قويّ وشجاع علي احتفال فرنسا بالذكري الميئوية لاحتلال الجزائرفي1930وهذا قصد اذلال الجزائريين وتركيعهم وقتل روح الثورة فيهم،وكانت غاية الجمعية في إصلاحها تخليص الدين من بعض الشوائب والانحرافات، والمحافظة علي الشخصية الجزائرية العربية المسلمة،وتعليم العربية،وتعميق الوعي في نفوس الشباب، كان الشيخ ينشط في هذا الإطار بقلمه السيّال ويعمل ضمن لجان معارضة، مشكلة ضد قانونالأحوال الشخصية،اذ الطريقة الرحمانية الخلواتية في تكوينها وفي أد بياتها علميّة جهاديّة مناوئة للاستعمار مذ أن وطئت قدماه أرض الوطن،وهي مستمية في الدفاع عن القرآن الكريم واللغة العربية،لذلك فلاريب أن يكون الشيخ هذا الشبل من تلك الأسود المرابطين، فطاحله العلم المجاهدين،هذا و لما تغيرت الأحوال، وهبّت رياح الثورة على المنطقة، كانت الهامل ومحيطها بحكم التضاريس والجبال الوعرة، والغابات الكثيفة، منطلقا للطلائع الأولى للثورة عام 1955، لذلك فان بوسعاد وبحكم موقعها وشهرتها، تهندست فيها أفكار الثورة مبكرا، وتبلورت الأهداف والمطالب، و تسارعت فيها الأحداث، الي درجة أنهااختلطت فيها بعض الأوراق{2} وبلغت المعارك أوجها عام 1958 لهذا فان الشيخ وبالنظر الى علاقته المتميزة، وسمعته الطيبة، ومكانته فى قلوب أهل العلم والاصلاح والخير، أصبح محط اهتمام،ومحل مضايقة ومتابعة،من طرف الحاكم العسكري،وفعلا وجد نفسه ذات خريف على رأس قائمة لستين{60} شخصيّة من أعيان بوسعادة مستهدفة ومطلوبة من الحاكم العسكري، فأشعر من طرف قيادة الجيش فى الولاية السادسة، وكذلك من أحد البشغوات بضرورة الإسراع في تغييرالاقامة، بعيداعن العيون التي باتت ترصده، توجّه الشيخ رفقة عائلته فى خريف عام 1959 الى حاسي بحبح ثم عين وسارة فعين بوسيف ثم الى البيرين، التى وجد فيها الأمن وحسن الاستقبال، فا ختارها دار اقامة ونشاط علمي بعد أن فتح فيها مدرسة "النجاح "، وشرع في تدريس الفقه على المذ هب المالكي، وقواعد اللغة العربية، وفى سكن متواضع جدا،انتظمت حلقات العلم، وكانت بحق
فضاءات حافلة بجلائل الأعمال،عمليات تربوية تعليمية را ئدة مفتوحة على طلبة العلم، ومن مختلف الأعمار والمستويات، وانطلقت الدروس بصفة رسمية ومعلنة فى الفاتح نوفمبر 1959
وبعد ان استأنس الطلبة لهذه الحلقات وألفوها، كان لابد من تحديد وتنظيم المستويات، وتبعا لذلك حدث التفويج، طبقة للكبار، وطبقة للصغار، ويتولى الكبار مساعدة الشيخ في تعليم الطبقة الأولى ،وتحضير دروس الطبقة الثانية [ من طرف السباق أو النظار ]
وللغرض ذاته شكل مجلسًا علميًّا ولجنة للافتاء{ الحاج محمد بن عطاء الله..الامام الشيخ داسه بلخضر - بلقاسم ابراهيمي العلامة - شويحة الدراجي- قدوربوشريط - أحمد الفاطمي - عمراني علي -عمراني محمد الصغير - متقدم الحاج السلامي - خضراوي بن أحمد،دحية لخضر ..الخ..} وتوافد الطلبة من المناطق المجاورة والبعيدة،وتعدّدت الحلقات، وكثرت الحركة،بعدأن ذاع خبر افتتاح المدرسة، وتوسّع مجال التدريس فيها،ولأنه غطي علي كل الأنشطة التي تقوم بها السلطات المحليّة، تضايق الطفيليون أذناب الاستعمار، وتعرّض الشيخ لوشاية، ألزمته طلب ترخيص،اذ توسط له امام المدينة السيد داسه بلخضرلدى القائد فى الموضوع ،يوم 30 -12 - 1959 {3} وكان القائد" قدورمحمدي "من الرجال الأوفياء المتعاونين مع الثورة المحبين لزاوية الهامل، والذي كان له الفضل في استقدام شيخ زاوية الهامل الشيخ {مصطفي القاسمي } وأفراد أسرته الفارين يومئذ من بطش الاستعمار ومضايقاته، وأصبحوا سندا وعونا للشيخ في مشاريعه،وفي عام 1960 تحول الشيخ بمدرسته الى سكن فسيح ، {1} الأمرالذي ساعده على ادخال تعديلات معتبرة على البرامج والمواقيت ، وتنظيم فى المستويات ، { ابتدائي ، متوسط، ثانوي } ولما حدث التغيير، وتوسعت دائرة الطلبة، بشكل سريع، تعددت الاهتمامات،والمطالب، فاستجاب الشيخ لذلك، وشرع في ادخال فنون أخرىجديرة بالتدريس واستعان بالطلبة الكبار، الذين أجازهم، وبأبناء الزاوية الوافدين وشكل{4}منهم مجلسا للاشراف والتسيير والمتابعة..
05 – الفنون التي كانت تدرس : كانت تدرس في المدرسة الزاوية جميع الفنون الشرعيةوالأدبية، وعلوم اللغة والرياضيات - التفسير- الحديث - الفقه المالكي....
- البلاغة والعروض والأدب - النحو والصرف - التاريخ والجغرافيا
- التصوف وعلوم التوحيد - الجبر والهندسة والحساب - السيرة النبوية
وقد جلبت الكتب من تونس والمغرب ، { الأجرومية – ملحة الاعراب
النحو الواضح - ألفية مالك - قطر الندى - البلاغة الواضحة - متن ابن عاشر - رسالة أبي زيد - متن خليل وشراحه - هذه الجزائر- المطالعة العربية ..
- تاريخ الجزائر علوم الفلك [ السنوسية والرحبية ] وكتب أخرى الخ......
06 - المنهجية وطرق التناول:كانت الطرق السائدة فى اعتماد الكتب واستعمالها في الزوايا والمدارس الحرة يومئذ، هي طريقة المتون وا لشروح والحواشي،أما فى مجال التدريس فالسائد هو: طريقة المحاضرات، وطريقة التلقين والقياس والتكرار
وطريقة المحاورة أوالمناظرة،وحيث أن الشيخ سلفي فانه متأثربالمنهج
السلفي و بالطريقة السلفية في التدريس خاصة { الحلقة - جلوس الطلبة والشيخ..و..} بيد أنه كان يحاول التجديد، ويسعى الى تفادي عيوب طرق التلقين، والقياس، والالقاء ،وذلك بادخال فنيات وأساليب الحوار والتدرج من السهل الى الصعب، ومن المعروف الى المجهول، وهو ينتهج أسلوب التكرار، ويرى أن { المكرر أحلى }كمـا يري أن{ الشيئ اذا تكرر تقرر..} وهو يجدد الانتباه، بالمساءلة حينا أو باحالة الطلبة على النص أحيانا أخرى،وهذا لتحديد فكرة، أوتوضيح مسألة، أولضبط معلومة، ويعمل بمبدا التعلم الذاتي،{ذاتية التعلم } والمحاولة والخطأ الى أنه يظل يحتفظ بأسلوب الالقاء، والمحاضرة، ويوظف الطريقة القيّاسية، مع اثارة الاهتمام فى الموضوعات الجديدة { بعث الحيرة التربوية فى نفوس الطلبة } مع الاستعمال المكثف للمكتسبات القبلية { تغذية راجعة } معتمد ا على الذاكرة { الحفظ والاستظهار} وهو شغوف بالبحوث، اذ يلزم طلبته بذلك رغم أن مستواهم لايسمح لهم بذلك، وتجد هم مع ذلك يقرؤون ويطالعون، ويكثرون من الجمع والاقتناء ،ويجبرهم على الحفظ وعلى المذاكرة وأحيانا على المناظرة، كان يرفض أن ينصهر طلبته فى قوالب جاهزة، وأن يروا برؤاه، انماهو يبتهج ويسعد لما يراهم يبدعون، ويجتهدون،ويخالفونه في التمثيل والمنهج ولايمانع،واذا مافعلوا شجعهم وطاب بأعمالهم نفسا، كان شغوفا بالمناقشة الجادة،والمذاكرة والحوار، يميل الى البحث الممنهج ، والتحقيق في المسائل التي تثار، ويرى فى التلقين كبتا للقدرات، وتعطيلا للفكر، ومع ذلك يستعمل التلقين والقياس استعمالا يلازمه الحوار { المساءلة } كان ينظر للأمر فى ضوء حياته السابقة، وحياة أسلافه، فتلمع أمام عينيه حقائق يثيرها بشوق، ويرى أنه فى عرف الذين يزنون الأمور بميزان الأوامر والنواهي اجحافا، وأن الذين يكثرون من سرد التعليمات أويسرفون فى الوعظ والاستطراد إرهاقا للذاكرة وإماتة للابداع،كان اشرافه التربوي عريضا وعلمه واسعا، وحديثه ممتعا ومجالسه لاتمل، يجعلك تطلب المزيد وهو مبحربك فى احد الفنون، وانك لتستجيب تلقائيا لتوجيهاته، اذ يصب عقله كله فى الموضوع، ونفسه فى المسائل محل المعالجة،وهذه وتلك تجعلك تغوص في المسائل، وتذلل صعوباتها بنفسك باذلا مااستطعت من جهد اضافي، اذ قدرته علي الاقناع فائقة، و في التقبل والاستجابة سريعة،وفى النقد والمساءلة مقنعة، انه يشارك الأطراف كلها حتى من خارج حلقة العلم، ويثير لدى الجميع الدافعية والرغبة فى التحصيل، وحسبك أنك تجلس فى الحلقة فتكون فيها عنصرا مشاركا وفاعلا لامتلقيا فقط، وتلزم نفسك على المواظبة والحضور، وتبذل قصارى جهدك لتستفيد وتفيد..{والأرض دون الانسان لاتنبت قمحا } وفيما يلي بيان خطوات الدرس فى الفنون ا لتى كان يدرسها.. التفسير : من العلوم التي يهتم بهاالشيخ اهتماما خاصا في حلقاته تفسيرالقرآن الكريم ، ويكون الوقت عصرا، تدوم الحصة ساعة ونصف ، يستهل الدرس بمقدمة خطبة الرسول [صلى ] "..أمابعد فان أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي.." - يتلو الآيات الكريمات التي يريد تفسيرها ، وأحيانا كل السورة - يشرح معاني الألفاظ والعبارات شرحا وافيا - يذكر بأسباب النزول، ويتناول بعض القصص والأحداث التاريخية- يحدد المقاصد، ويجلي بكل وضوح العبر، ويضرب أمثلة- يستشهد بالحديث الشريف، وسيرة الرسول {صلي } والسلف الصالح، وهذه المحطة تنال حظا أوفر من الدراسة والتوقف - يختم الدرس بالدعاء التالي: "..نفعني الله واياكم.
بقية الفنون: طريقة التدريس فيها لاتختلف، وشبكة الاتصال والتواصل عمودية، وأحيانا تبادلية أفقية، فالطريقة كما بينا تتمثل في الحلقة،حيث يتحلق الطلبة حول الشيخ، فيلقى عليهم الدرس القاء وبعد ان يستمعوا الى سرد المتن، يكون الالقاء متبوعا باسئلة تضيئ جوانب الدرس وتثبت معانيه 1- المجموعة الأولى تتكون من فئة الأجرومية وابن عاشر 2-الفئة الثانية تتكون من فيئة قطر الندىورسالة ابن زيدون القيرواني.3- الفيئة الثالثة تتكون من فيئة الألفية والشيخ خليل ابن اسحاق.، بعد اتمام المقرر يتولى الطلبة بالتناوب سرد الشرح، أحدهم يقرأ قراءة معربة، وبقية الطلبة يستمعون ويتابعون واذا ماأخطا القارئ يتدخلون ويجري بينهم نقاش اثره يتم التذكير بالقاعدة أوالمعلومة وتوظف القاعدة توظيفا حيا،انها عمليات تطبيقية ادماجية تمارس فيها لغة الخطاب بشكل يسمح للطالب اكتساب آلياتها بالدربةوالمران
الجزء الثاني :
4- حياته :ولد الشيخ عبد الحفيظ القاسمي عام { 1330هـ 1912 م بالهامل{بوسعادة } عمالة تيطري سابقا{ ولاية المسيلة حاليا} ..والده الشيخ بلقاسم بن محمد بن أخ الشيخ محمد بن بلقاسم مؤسس زاوية الهامل، وقد تولي والده مشيخة الزاوية { 1918 /1928 } وكانت له حلقات علم مشهودة، وله تآليف مخطوطة..أما والدته فتدعي عائشة بنت عبد المؤمن أحد قضاة مليانة،عاش الشيخ مكرما في وسط علمي محترم، يعجّ بألوان المعرفة، وعلوم الدين، وفنون الأدب واللغة،وبيوت مكتظة بآلاف من طلبة القرآن الكريم، وحلقات العلم المختلفة وحظي بتربية خاصة وباهتمام الوالدين الكريمين،حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، وجلس فى حلقات العلم وكان متقدما في التحصيل، بل من أنبغ الطلبة وأذكاهم، أخذ على أشياخ الزاويّة وعلمائها من أشراف الهامل خاصة، علوم الشريعة والفقه،وأصول الدين وفقه اللغة وآدابها وكان مقربا من شيخه الأستاذ بن عزوز القاسمي ينوبه في حلقات العلم، ونال اجازات كثيرة، وشهادات علمية من الشيخ الكتاني وغيره، وأصبح من أعلام الزاوية القاسميّة، بله شيخا من مشايخها الكبار، يجله ويقدره الجميع، ، تجدر الاشارة هنا أن زاوية الهامل فتحت أبوابها لطلبة العلم عام 1863 وذاع صيتها يومئذ،قال عنها الشيخ الحفنوي صاحب تأليف الخلف:{ان زاوية الهامل لاتطأطئ رأسها للزيتونة ولا للقرويين} وقال عنها المؤرّخ توفيق المدني في كتابه حياة كفاح: بأنها {معقل العروبة والاسلام} وقال عنها المستشرق جاك بيرك اثناء زيارته للهامل:عام 1964{ ان تاريخ زاوية الهامل يهمّ تاريخ المغرب بأسره...}في هذه البيئة العلمية المعطاء عاش الشيخ عبد الحفيظ ونشأ بين العلماء والطلبة، كان رجلا متواضعا، قصير القامة بدينا وسيما عندما يتكلم كأن الناس على رؤوسهم الطير، ذكيّ قويّ الحافظة طويل الأناة، فصيحا ذا هيبة ووقار، فهو بليغ العبارة، واضح التعبير، دقيق في نقل فكرته، ويحرص على أدائها بلغة فصحى، يملك ذخيرة لغوية غنية، متدفق المشاعر، متوهّج العواطف،مرهف الاحساس،متحمّس للعمل الجماعي،يحترم رأي الجماعة، طيب القلب،أعطاه الله بسطة في الجسم وحسن سمت وجمال،سهل الجانب ،كريم النفس، واسع الائيثار،حسن الألفة والمعاشارة، عالي الهمّة واسع الصدر كثير التحمّل، يجلس الساعات الطوَال في حلقة الدرس ولا يتزحزح،داره ملجأ للطلبة والفقراء، مشرّعة لأهل الفضل ولكبار الجماعة في كرم حاتمي، فقريتنا الوديعة{ البيرين} بَصَمت ْبجليل أعماله ومواقفه الانسانية الملوّنة بشتى صوّر النبل والشهامة،والقدرة على مسايرة قوافل الاصلاح،كانت قراءاته متنوّعة، يتابع الجديد بشغف ويبحث في أمّهات الكتب، يجلس الى تدريس علوم اللغة والفقه والحديث والتفسير، ويلازم الزاويّة رغم انتقاله الى بوسعادة في مطلع الأربعينات،{1947 }كان سياسيا بارعا ومحاورا ذكيا، ولذلك فإنه أصبح رئيسا لجماعة أولاد نايل {جمعية علمية ثقافية}{1} ولعب من خلال هذه الجمعية دورا كبيرا في اصلاح ذات البين، والتكفل بمشاكل ومصالح القبائل الرحل منهم بالخصوص، وكانت العملية نواة لاستقرار البدو وإعادة إدماجهم في الحياة السياسية، يساعده الدكتور لعراف علي بن دياح والذي اصبح بعد الاستقلال مديرا للمعهد النووي والبحث العلمي وبحوزة هذا الرجل وثائق مهمة .
وقد أهلته هذه المهام ليكون من نجوم الحركات الوطنية،عضوا فاعلا في نجم شمال افريفيا، ثم في حزب الشعب، ليلتحق بخلايا الثورة المباركة فيما بعد وإلى جانب ذلك كان يتولى تسييرممتلكات الزاوية ويدير العمليات الفلاحية في الأراضي [الحبوس] التابعة لزاوية الهامل، وكان له نشاط تربوي واجتماعي وسياسي وعلمي فيّاض مع أحد أفراد عائلته يدعى" الحاج عبد القادربن أبي القاسم "الذي أسّس جريدة {الرشاد} عام 1938 وأدارها الشيخ عبد الحفيظ الى أن توقفت قبيل الحرب العالمية الثانية، عبد القادر القاسمي تربطه علاقة عضويّة بجمعيّة العلماء المسلمين، بل هو من الأعضاء المؤسسين، وكان نائبا في البرلمان{1951 }، لذلك تجد الشيخ عبد الحفيظ يتردّد كثيرا على العاصمة{1} كونه هو الآخر،عضوا مؤسسا في جمعية العلماء المسلمين التي تأسست عام 1931 كردّ فعل قويّ وشجاع علي احتفال فرنسا بالذكري الميئوية لاحتلال الجزائرفي1930وهذا قصد اذلال الجزائريين وتركيعهم وقتل روح الثورة فيهم،وكانت غاية الجمعية في إصلاحها تخليص الدين من بعض الشوائب والانحرافات، والمحافظة علي الشخصية الجزائرية العربية المسلمة،وتعليم العربية،وتعميق الوعي في نفوس الشباب، كان الشيخ ينشط في هذا الإطار بقلمه السيّال ويعمل ضمن لجان معارضة، مشكلة ضد قانونالأحوال الشخصية،اذ الطريقة الرحمانية الخلواتية في تكوينها وفي أد بياتها علميّة جهاديّة مناوئة للاستعمار مذ أن وطئت قدماه أرض الوطن،وهي مستمية في الدفاع عن القرآن الكريم واللغة العربية،لذلك فلاريب أن يكون الشيخ هذا الشبل من تلك الأسود المرابطين، فطاحله العلم المجاهدين،هذا و لما تغيرت الأحوال، وهبّت رياح الثورة على المنطقة، كانت الهامل ومحيطها بحكم التضاريس والجبال الوعرة، والغابات الكثيفة، منطلقا للطلائع الأولى للثورة عام 1955، لذلك فان بوسعاد وبحكم موقعها وشهرتها، تهندست فيها أفكار الثورة مبكرا، وتبلورت الأهداف والمطالب، و تسارعت فيها الأحداث، الي درجة أنهااختلطت فيها بعض الأوراق{2} وبلغت المعارك أوجها عام 1958 لهذا فان الشيخ وبالنظر الى علاقته المتميزة، وسمعته الطيبة، ومكانته فى قلوب أهل العلم والاصلاح والخير، أصبح محط اهتمام،ومحل مضايقة ومتابعة،من طرف الحاكم العسكري،وفعلا وجد نفسه ذات خريف على رأس قائمة لستين{60} شخصيّة من أعيان بوسعادة مستهدفة ومطلوبة من الحاكم العسكري، فأشعر من طرف قيادة الجيش فى الولاية السادسة، وكذلك من أحد البشغوات بضرورة الإسراع في تغييرالاقامة، بعيداعن العيون التي باتت ترصده، توجّه الشيخ رفقة عائلته فى خريف عام 1959 الى حاسي بحبح ثم عين وسارة فعين بوسيف ثم الى البيرين، التى وجد فيها الأمن وحسن الاستقبال، فا ختارها دار اقامة ونشاط علمي بعد أن فتح فيها مدرسة "النجاح "، وشرع في تدريس الفقه على المذ هب المالكي، وقواعد اللغة العربية، وفى سكن متواضع جدا،انتظمت حلقات العلم، وكانت بحق
فضاءات حافلة بجلائل الأعمال،عمليات تربوية تعليمية را ئدة مفتوحة على طلبة العلم، ومن مختلف الأعمار والمستويات، وانطلقت الدروس بصفة رسمية ومعلنة فى الفاتح نوفمبر 1959
وبعد ان استأنس الطلبة لهذه الحلقات وألفوها، كان لابد من تحديد وتنظيم المستويات، وتبعا لذلك حدث التفويج، طبقة للكبار، وطبقة للصغار، ويتولى الكبار مساعدة الشيخ في تعليم الطبقة الأولى ،وتحضير دروس الطبقة الثانية [ من طرف السباق أو النظار ]
وللغرض ذاته شكل مجلسًا علميًّا ولجنة للافتاء{ الحاج محمد بن عطاء الله..الامام الشيخ داسه بلخضر - بلقاسم ابراهيمي العلامة - شويحة الدراجي- قدوربوشريط - أحمد الفاطمي - عمراني علي -عمراني محمد الصغير - متقدم الحاج السلامي - خضراوي بن أحمد،دحية لخضر ..الخ..} وتوافد الطلبة من المناطق المجاورة والبعيدة،وتعدّدت الحلقات، وكثرت الحركة،بعدأن ذاع خبر افتتاح المدرسة، وتوسّع مجال التدريس فيها،ولأنه غطي علي كل الأنشطة التي تقوم بها السلطات المحليّة، تضايق الطفيليون أذناب الاستعمار، وتعرّض الشيخ لوشاية، ألزمته طلب ترخيص،اذ توسط له امام المدينة السيد داسه بلخضرلدى القائد فى الموضوع ،يوم 30 -12 - 1959 {3} وكان القائد" قدورمحمدي "من الرجال الأوفياء المتعاونين مع الثورة المحبين لزاوية الهامل، والذي كان له الفضل في استقدام شيخ زاوية الهامل الشيخ {مصطفي القاسمي } وأفراد أسرته الفارين يومئذ من بطش الاستعمار ومضايقاته، وأصبحوا سندا وعونا للشيخ في مشاريعه،وفي عام 1960 تحول الشيخ بمدرسته الى سكن فسيح ، {1} الأمرالذي ساعده على ادخال تعديلات معتبرة على البرامج والمواقيت ، وتنظيم فى المستويات ، { ابتدائي ، متوسط، ثانوي } ولما حدث التغيير، وتوسعت دائرة الطلبة، بشكل سريع، تعددت الاهتمامات،والمطالب، فاستجاب الشيخ لذلك، وشرع في ادخال فنون أخرىجديرة بالتدريس واستعان بالطلبة الكبار، الذين أجازهم، وبأبناء الزاوية الوافدين وشكل{4}منهم مجلسا للاشراف والتسيير والمتابعة..
05 – الفنون التي كانت تدرس : كانت تدرس في المدرسة الزاوية جميع الفنون الشرعيةوالأدبية، وعلوم اللغة والرياضيات - التفسير- الحديث - الفقه المالكي....
- البلاغة والعروض والأدب - النحو والصرف - التاريخ والجغرافيا
- التصوف وعلوم التوحيد - الجبر والهندسة والحساب - السيرة النبوية
وقد جلبت الكتب من تونس والمغرب ، { الأجرومية – ملحة الاعراب
النحو الواضح - ألفية مالك - قطر الندى - البلاغة الواضحة - متن ابن عاشر - رسالة أبي زيد - متن خليل وشراحه - هذه الجزائر- المطالعة العربية ..
- تاريخ الجزائر علوم الفلك [ السنوسية والرحبية ] وكتب أخرى الخ......
06 - المنهجية وطرق التناول:كانت الطرق السائدة فى اعتماد الكتب واستعمالها في الزوايا والمدارس الحرة يومئذ، هي طريقة المتون وا لشروح والحواشي،أما فى مجال التدريس فالسائد هو: طريقة المحاضرات، وطريقة التلقين والقياس والتكرار
وطريقة المحاورة أوالمناظرة،وحيث أن الشيخ سلفي فانه متأثربالمنهج
السلفي و بالطريقة السلفية في التدريس خاصة { الحلقة - جلوس الطلبة والشيخ..و..} بيد أنه كان يحاول التجديد، ويسعى الى تفادي عيوب طرق التلقين، والقياس، والالقاء ،وذلك بادخال فنيات وأساليب الحوار والتدرج من السهل الى الصعب، ومن المعروف الى المجهول، وهو ينتهج أسلوب التكرار، ويرى أن { المكرر أحلى }كمـا يري أن{ الشيئ اذا تكرر تقرر..} وهو يجدد الانتباه، بالمساءلة حينا أو باحالة الطلبة على النص أحيانا أخرى،وهذا لتحديد فكرة، أوتوضيح مسألة، أولضبط معلومة، ويعمل بمبدا التعلم الذاتي،{ذاتية التعلم } والمحاولة والخطأ الى أنه يظل يحتفظ بأسلوب الالقاء، والمحاضرة، ويوظف الطريقة القيّاسية، مع اثارة الاهتمام فى الموضوعات الجديدة { بعث الحيرة التربوية فى نفوس الطلبة } مع الاستعمال المكثف للمكتسبات القبلية { تغذية راجعة } معتمد ا على الذاكرة { الحفظ والاستظهار} وهو شغوف بالبحوث، اذ يلزم طلبته بذلك رغم أن مستواهم لايسمح لهم بذلك، وتجد هم مع ذلك يقرؤون ويطالعون، ويكثرون من الجمع والاقتناء ،ويجبرهم على الحفظ وعلى المذاكرة وأحيانا على المناظرة، كان يرفض أن ينصهر طلبته فى قوالب جاهزة، وأن يروا برؤاه، انماهو يبتهج ويسعد لما يراهم يبدعون، ويجتهدون،ويخالفونه في التمثيل والمنهج ولايمانع،واذا مافعلوا شجعهم وطاب بأعمالهم نفسا، كان شغوفا بالمناقشة الجادة،والمذاكرة والحوار، يميل الى البحث الممنهج ، والتحقيق في المسائل التي تثار، ويرى فى التلقين كبتا للقدرات، وتعطيلا للفكر، ومع ذلك يستعمل التلقين والقياس استعمالا يلازمه الحوار { المساءلة } كان ينظر للأمر فى ضوء حياته السابقة، وحياة أسلافه، فتلمع أمام عينيه حقائق يثيرها بشوق، ويرى أنه فى عرف الذين يزنون الأمور بميزان الأوامر والنواهي اجحافا، وأن الذين يكثرون من سرد التعليمات أويسرفون فى الوعظ والاستطراد إرهاقا للذاكرة وإماتة للابداع،كان اشرافه التربوي عريضا وعلمه واسعا، وحديثه ممتعا ومجالسه لاتمل، يجعلك تطلب المزيد وهو مبحربك فى احد الفنون، وانك لتستجيب تلقائيا لتوجيهاته، اذ يصب عقله كله فى الموضوع، ونفسه فى المسائل محل المعالجة،وهذه وتلك تجعلك تغوص في المسائل، وتذلل صعوباتها بنفسك باذلا مااستطعت من جهد اضافي، اذ قدرته علي الاقناع فائقة، و في التقبل والاستجابة سريعة،وفى النقد والمساءلة مقنعة، انه يشارك الأطراف كلها حتى من خارج حلقة العلم، ويثير لدى الجميع الدافعية والرغبة فى التحصيل، وحسبك أنك تجلس فى الحلقة فتكون فيها عنصرا مشاركا وفاعلا لامتلقيا فقط، وتلزم نفسك على المواظبة والحضور، وتبذل قصارى جهدك لتستفيد وتفيد..{والأرض دون الانسان لاتنبت قمحا } وفيما يلي بيان خطوات الدرس فى الفنون ا لتى كان يدرسها.. التفسير : من العلوم التي يهتم بهاالشيخ اهتماما خاصا في حلقاته تفسيرالقرآن الكريم ، ويكون الوقت عصرا، تدوم الحصة ساعة ونصف ، يستهل الدرس بمقدمة خطبة الرسول [صلى ] "..أمابعد فان أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي.." - يتلو الآيات الكريمات التي يريد تفسيرها ، وأحيانا كل السورة - يشرح معاني الألفاظ والعبارات شرحا وافيا - يذكر بأسباب النزول، ويتناول بعض القصص والأحداث التاريخية- يحدد المقاصد، ويجلي بكل وضوح العبر، ويضرب أمثلة- يستشهد بالحديث الشريف، وسيرة الرسول {صلي } والسلف الصالح، وهذه المحطة تنال حظا أوفر من الدراسة والتوقف - يختم الدرس بالدعاء التالي: "..نفعني الله واياكم.
بقية الفنون: طريقة التدريس فيها لاتختلف، وشبكة الاتصال والتواصل عمودية، وأحيانا تبادلية أفقية، فالطريقة كما بينا تتمثل في الحلقة،حيث يتحلق الطلبة حول الشيخ، فيلقى عليهم الدرس القاء وبعد ان يستمعوا الى سرد المتن، يكون الالقاء متبوعا باسئلة تضيئ جوانب الدرس وتثبت معانيه 1- المجموعة الأولى تتكون من فئة الأجرومية وابن عاشر 2-الفئة الثانية تتكون من فيئة قطر الندىورسالة ابن زيدون القيرواني.3- الفيئة الثالثة تتكون من فيئة الألفية والشيخ خليل ابن اسحاق.، بعد اتمام المقرر يتولى الطلبة بالتناوب سرد الشرح، أحدهم يقرأ قراءة معربة، وبقية الطلبة يستمعون ويتابعون واذا ماأخطا القارئ يتدخلون ويجري بينهم نقاش اثره يتم التذكير بالقاعدة أوالمعلومة وتوظف القاعدة توظيفا حيا،انها عمليات تطبيقية ادماجية تمارس فيها لغة الخطاب بشكل يسمح للطالب اكتساب آلياتها بالدربةوالمران